
ناصر زهير / باحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
شهدت الساعات الأخيرة تحركات دولية كبيرة على أعلى المستويات لمواجهة الآثار الاقتصادية والصحية لفيروس كورونا، فبعد نهاية قمة مجموعة العشرين التي عقدت في الرياض عبر "تقنية الفيديو"، خرج بيان يعتبر جيد للغاية للقرارات التي اتخذها قادة المجموعة للحد من أثار الفيروس الصحية والاقتصادية وأهم بند في البيان كان اعتماد 5 تريليون دولار لدعم الاقتصاد العالمي .
وما إن انتهت القمة حتى بدأت اتصالات وتحركات دبلوماسية مهمة جدا بين دول كبرى حول العالم، فتابعنا اتصال هاتفي مهم للغاية بين الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" والرئيس الصيني "شي جينبينغ "، وكان مضمون الاتصال هو تخطي الخلافات الأخيرة بين البلدين والتعاون بشكل وثيق لمواجهة فيروس كورونا .
وقد يعتبر هذا الاتصال نقطة مهمة في تعزيز التعاون الدولي وانهاء المناكفات وحرب التصريحات بين الاقتصادين الأكبر في العالم، وإن كانت هذه الهدنة بشكل مؤقت .
وكان هناك أيضا اتصال مهم بين الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" والرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمناقشة آليات العمل لمواجهة الأزمة الحالية، وكشف الرئيس الفرنسي بعد الاتصال عن مبادرة دولية يجري العمل عليها لمحاربة تفشي فيروس كورونا .
روسيا وأوبك وحرب أسعار النفط ..
الخبر الأهم في التحركات الأخيرة كان اعلان رويترز "بحسب مصادرها الخاصة" عن دعوة روسية لاتفاق موسع جديد لأوبك+ لمواجهة انهيار الطلب العالمي على النفط .
وقال كيريل ديمترييف رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي إن إبرام اتفاق جديد لأوبك+ لتحقيق التوازن في أسواق النفط قد يكون ممكنا إذا انضمت دول أخرى له، مضيفا أنه يتعين على تلك الدول التعاون أيضا لتخفيف التأثير الاقتصادي لفيروس كورونا.
مما يعطي دفعة تفاؤل كبيرة للتوصل إلى اتفاق قريب يعيد الاستقرار إلى أسواق النفط العالمية ويرفع الأسعار لنسبة متوازنة لجميع الدول المنتجة النفط .
فلا يمكن أن يكون باستطاعة دول تصل تكلفة انتاج برميل النفط فيها إلى أكثر من 20 دولار، أن تستمر في انتاج النفط والاستفادة من عائداته في ظل الأسعار الحالية التي وصلت الى 23 دولار للبرميل.
وبالتالي لا بد من تحقيق الاستقرار في أسعار النفط بالتزامن مع الجهود العالمية لمواجهة التداعيات الاقتصادية للفيروس
قمة العشرين و قرارات مهمة …
تعتبر النتائج التي خرجت بها قمة العشرين جيدة للغاية لمواجهة شبح ركود اقتصادي بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا .
الأهم كان تخصيص دول المجموعة مبلغ 5 تريليون دولار لضخها في الاقتصاد العالمي، وذلك كجزء من السياسات المالية والتدابير الاقتصادية وخطط الضمان المستهدفة لمواجهة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والمالية للجائحة".
وعلى ما يبدو فإن قادة المجموعة قد تبنوا فكرة التعاون الدولي الوثيق لمواجهة تأثيرات الجائحة الحالية و بدأت تتشكل لديهم قناعة راسخة بأن العمل الدولي المشترك هو السبيل الوحيد للمواجهة والتغلب على فيروس كورونا .
وهذا ما بدا واضحا بعد القمة بحيث بدأت التحركات والاتصالات بين ترامب والرئيس الصيني من جهة، وبين ماكرون وترامب من جهة أخرى، ويبدو أن الأطراف المتصارعة قررت التخلي عن خلافاتها السابقة أو تأجيلها على الأقل في الوقت الحالي.
على الرغم من أن الصين والولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بهم وضمان عدم عملهم على استغلال جائحة كورونا لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبرى .
مجموعة اليورو واجراءات حازمة خلال 15 يوم …
من جهة أخرى بدأ قادة الاتحاد الأوروبي بالتحرك بشكل متسارع لاتخاذ الاجراءات الضرورية لمواجهة أثار تفشي فيرو كورونا على الاقتصاد الأوروبي .
وقرّر قادة الاتّحاد الأوروبي الخميس بضغط من إيطاليا أن يدرسوا خلال 15 يوماً تدابير مشتركة أكثر حزماً لمواجهة الانكماش الاقتصادي الذي قد يواجهه التكتل بفعل الأزمة.
وأعلن القادة في بيان مشترك "نحن ندرك تماما خطورة العواقب الاجتماعية والاقتصادية لأزمة كوفيد-19 وسنفعل كل ما هو ضروري لمواجهة هذا التحدي بروح من التضامن".
وطلب القادة الأوروبيون من مجموعة اليورو التي تضم وزراء مالية دول منطقة اليورو "تقديم مقترحات في غضون أسبوعين" لإتاحة "تعزيز استجابتنا عبر تدابير جديدة (...)في ضوء التطورات، وبهدف توفير استجابة شاملة".
وتنتظر إيطاليا التي تملك أضخم ديون في منطقة اليورو بعد اليونان، المزيد من التضامن المالي من الاتحاد الأوروبي.
وفي وقت سابق دعا تسعة من القادة الأوروبيين بينهم كونتي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "على العمل على آلية" إقراض شاملة في منطقة اليورو، مبنية على تضامن اقتصادي أقوى في التكتل الأوروبي.
كما دعا رئيس البرلمان الأوروبي الإيطاليّ ديفيد ساسولي، إلى اعتماد "تدابير استثنائية لمواجهة" الأزمة، مؤكدا أن "تعديل الأدوات المتوافرة حاليا لا يكفي".
آلية "سندات كورونا" .. ومعارضة ألمانية هولندية …
ولا تحظى فكرة تشارك الديون بين دول منطقة اليورو التي تسهل الاقتراض لدول الجنوب الأقل التزاما تمسكا بسياسة مالية صارمة، بتأييد ألمانيا وهولندا.
وأعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن معارضتها لهذه الآلية التي سميت "سندات كورونا". وقالت إن فكرة إصدار قروض أوروبية مشتركة "لا تعبر عن وجهة نظر كافة الدول الأعضاء".
و شاطرها بذلك نظيرها الهولندي مارك روتي الذي أكد "نحن ضد هذه الفكرة، ولا يمكنني تخيل ظرف يدفعنا إلى تغيير موقفنا".
وكما خلال أزمة الدين في منطقة اليورو بين 2010 و2012، تتواجه دول الجنوب الداعية إلى تضامن مالي أكبر مع دول الشمال التي تنظر بارتياب إلى جيرانها الجنوبيين وتعتبر أنهم متساهلون جدا.
النقطة المهمة هي مصادقة رؤساء دول وحكومات الإتحاد الأوروبي على تعليق القواعد الأوروبية المتعلقة بضبط الميزانية، ما يتيح لهم إنفاق ما هو ضروري للتصدي للفيروس وتداعياته.
وإحدى الطرق التي جرت دراستها هي إنشاء أداة عبر الآلية الأوروبية للاستقرار، وهو صندوق إنقاذ في منطقة اليورو يسمح بمد بلد أو مجموعة بلدان في التكتل أو دول التكتل كافة بخط ائتمان وقائي.
وفي ظل كل التحركات المتسارعة التي تجري حاليا، يمكن القول بأن الاقتصاد العالمي سيشهد دفعة قوية خلال الأسابيع القادمة ولكن الأهم هو تنفيذ ما يتم مناقشته والاتفاق عليه على أرض الواقع.
لأن اقتصادات العالم في سباق مع الزمن لمواجهة تأثيرات جائحة كورونا، فقد صرحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن كل شهر تقضيه الاقتصادات الكبرى في حالة إغلاق سيخصم نقطتين مئويتين من النمو السنوي.
وبالتالي فمن المهم جداً الأن زيادة التنسيق والتعاون العالمي خاصة على المستوى الاقتصادي وتنحية الخلافات جانبا والعمل على خطوات متناسقة ومدروسة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من شبح ركود قد يكون طويل الأمد .
コメント