
ناصر زهير / مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
تصاعدت الخلافات في جلسة مجلس الأمن الخميس بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث فرنسا وألمانيا وبريطانيا حول إعادة بعد أن رفضت الدول الثلاث دعم مساعي الولايات المتحدة إعادة فرض العقوبات على إيران، وزادت حدة الخلافات بين الجانبين بعد تصريحات متبادلة كانت تحمل لهجة تصعيد غير مسبوقة بين الجانبين .
وقد فعّلت الولايات المتحدة رسميا الخميس 20 آب – أغسطس 2020 في الأمم المتحدة إجراءات خلافية لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران خلال شهر، لكنها اصطدمت على الفور برفض حلفائها الأوروبيين والقوى الكبرى الأخرى.
وقام بومبيو في نيويورك "بإبلاغ مجلس الأمن الدولي" بالانتهاكات "الواضحة" للالتزامات الإيرانية الواردة في اتفاق فيينا الموقع في فيينا في 2015 لمنع طهران من امتلاك سلاح ذري، حسب رسالة حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منها.
وتوضح الولايات المتحدة إنها تقوم بإطلاق هذه الآلية المسماة "العودة إلى الوضع السابق" بصفتها دولة "مشاركة" في اتفاق فيينا. وفي الواقع، يعتبر قرار مجلس الأمن الدولي الذي صادق على الاتفاق كل الدول التي وقعت مبدئيا الاتفاق "مشاركة". وهذه الدول هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحب من الاتفاق في 2018 ما يؤثر على قدرة واشنطن اللجوء إلى هذا الوضع الذي يثير جدلا قانونيا في نظر العديد من الدول بما في ذلك الحلفاء الأوروبيون للولايات المتحدة.
رفض أوروبي وبيان مشترك …
فيما قالت فرنسا وبريطانيا وألمانيا في بيان مشترك إن "الولايات المتّحدة لم تَعد مشاركة في خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انسحابها من الاتفاق" في الثامن من أيار/مايو 2018.
وأضافت الدول الثلاث أنه لا يمكنها بالتالي "أن تدعم هذه المبادرة التي تتعارض مع جهودنا الحالية الرامية إلى دعم خطة العمل الشاملة المشتركة"، أي الاتفاق النووي، مؤكدة أنها تريد "حماية" الاتفاق الموقع قبل خمس سنوات وقدم حينذاك على أنه فرصة فريدة لمنع امتلاك إيران أسلحة نووية.
ورأت البعثة الصينية في الأمم المتحدة أيضا أن الولايات المتحدة "بلد غير مشارك" في الاتفاق، معتبرة أنه "لا يمكن" اعتبار رسالة بومبيو "تفعيلا لآلية العودة إلى الوضع السابق".
أما الجانب الروسي، فيعتبر أن كل هذه الآلية "لا وجود لها".
وقال بومبيو للصحافيين في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك حيث قدّم طلباً رسمياً لتفعيل هذه الآلية إنّه "لا توجد دولة سوى الولايات المتحدة امتلكت الشجاعة والقناعة لتقديم مشروع قرار، لكنّهم (الأوروبيين) بدلاً من ذلك اختاروا الانحياز إلى آيات الله" الإيرانيين.
وأضاف أنّ "أصدقاءنا في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قالوا لي في مجالس خاصة إنهم لا يريدون لحظر السلاح (المفروض على إيران) أن يُرفع".
وفي ظل تصاعد الخلافات الحاد بين الجانبين الأوروبي والأمريكي حول إعادة تفعيل كافة العقوبات الأممية على ايران تبرز نقطة الخلاف الجوهرية بين الجانبين منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 .
حيث ترى الدول الأوروبية بأن واشنطن لا تملك أي خطة بديلة للتعامل مع ايران في حال اعلان طهران انسحابها من الاتفاق النووي بشكل نهائي والبدء بتخصيب اليورانيوم بنسب كبيرة قد تؤدي الى امتلاك طهران سلاح نووي بمدة لا تتجاوز العامين بحسب بعض التقارير الاستخباراتية، وفي هذا الوقت بالتحديد ترى الدول الأوروبية بأن التصعيد الأقصى الذي تمارسه إدارة ترامب لن يؤدي سوى الى مزيد من التصعيد غير المحسوب، وبعد تفعيل العقوبات الأممية من جديد لن يكون لدى واشنطن أي امكانية لاتخاذ قرارات حاسمة في التعامل مع الملف النووي الايراني قبل نهاية الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم ومع ترتيبات البيت الأبيض سواء بإعادة انتخاب ترامب أو وصول بايدن الى الحكم فإن الأمر سيستغرق 6 أشهر من الأن على أقل تقدير وهذه المدة تعتبر خطيرة في تصعيد الموقف إذا ما قررت ايران الانسحاب من الاتفاق النووي .
وترى الدول الأوروبية بأنها كانت الطرف الذي تحمل أكبر قدر من الضغط بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بجهودها نحو ابقاء ايران داخل الحظيرة النووية وضمان عدم انسحابها بشكل كامل سواء كان بالترهيب أو الترغيب وكانت آلية انستكس آخر جهود الأوروبيين لضمان امتثال ايران بالحد الأدنى من الاتفاق النووي الى أن يتم الوصول الى اتفاق جديد أو إعادة تفعيل الاتفاق القديم بمشاركة الولايات المتحدة وإضافة بنود جديدة .
نقاط الخلاف والاتفاق الأوروبية الأمريكية حول الملف النووي الإيراني …
ويتفق الأوروبيين مع الولايات المتحدة في العديد من النقاط الرئيسية بما يخص ايران ولكنهم يختلفون معها في استراتيجيات التعامل، فالدول الأوروبية الثلاث تتفق مع الولايات المتحدة حول خطر البرنامج الصاروخي الإيراني وضرورة الحد من نشاطات ايران في هذا المحجال .
كما تتفق معها لما يخص عدم رفع حظر الأسلحة المفروض على ايران والذي ينتهي باكتوبر المقبل ولكن الدول الأوروبية امتنعت عن التصويت بسبب تأكدها الأوروبيين بأن الصين و روسيا سيستخدمون الفيتو ضد القرار ، بالإضافة الى عدم التشاور معهم بما يخص الاستراتيجيات التي يجب اتباعها لضمان تمرير القرار والتفاهم بشكل أو بأخر مع الصين وروسيا .
وفي ظل الصدام الذي كان متوقعا بين الولايات المتحدة والصين وروسيا حول إعادة تفعيل العقوبات الأممية على ايران وتهديد وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بفرض عقوبات على الجانبين في حال إعاقة تفعيل العقوبات الأممية على ايران ، اختارت الولايات المتحدة أن تصطم مع حلفائها الأوروبيين بدلا من روسيا والصين .
وهذا ما يفسر استراتيجية ترامب في الصدام مع الحلفاء قبل الأعداء وكيل الاتهامات لهم بدون أي مبررات، وكان الأولى بالولايات المتحدة التفاهم مع حلفائها الأوروبيين في الآليات والاستراتيجيات التي يجب اتباعها لتمديد حظر الأسلحة على ايران أو طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني، بدلا من سياسة الصدام المباشر والانتقادات العلنية .
ناصر زهير / مستشار العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية
www.centredegeneve.org
Comments