top of page

البرلمان الفرنسي يقر قانون مكافحة النزعات الانفصالية.. "باريس بين مواجهة التطرف والإسلاموفوبيا"

Writer: NZC Media GroupNZC Media Group

وحدة الدراسات الأوروبية | الملف الفرنسي


باريس 17 فبراير 2021 : صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية بغالبية كبيرة في قراءة أولى الثلاثاء لصالح مشروع قانون "يعزز مبادئ الجمهورية" ومعروف بمشروع مكافحة "النزعات الانفصالية".


وأيد 348 نائبا النص الذي أتى تلبية لطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ويهدف خصوصا إلى مكافحة التطرف الإسلاموي في بلد شهد اعتداءات جهادية عدة منذ العام 2015. وكان إقرار النص في هذه المرحلة يحتاج إلى 250 صوتا.

ويجرم النص "النزعات الانفصالية" ويعزز الرقابة على الجمعيات وتمويل الأنشطة الدينية ويشدد الخناق على نشر الكراهية عبر الإنترنت، إضافة إلى تدابير أخرى.


وأُعدّ مشروع القانون بدفع من الرئيس إيمانويل ماكرون إثر الصدمة التي خلّفتها سلسلة اعتداءات جهادية، بدءاً من الهجوم على أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في كانون الأول/يناير 2015 وصولاً إلى قطع رأس الأستاذ سامويل باتي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ويجرّم النصّ "الانفصالية" ويعزّز الرقابة على الجمعيّات وتمويل الأنشطة الدينيّة ويشدّد الخناق على نشر الكراهيّة عبر الإنترنت، إضافة إلى تدابير أخرى.


ويتشابه المشروع مع قوانين مهمّة على غرار قانون 1905 الذي كرّس الفصل بين الكنيسة والدولة ويُعتبر عماد العلمانيّة الفرنسيّة. وتريد السلطات من وراء النصّ وضع آليات جديدة لتمويل أنشطة الطوائف الدينيّة وحثّها على وقف تلقّي "تمويلات أجنبيّة". ويضع مشروع القانون رقابة صارمة على أنشطة الجمعيّات الدينيّة والثقافيّة، كما يكرّس مبدأ الحياد (الدينيّ) لموظّفي القطاع العام.


ويهدف ذلك خاصة إلى منع تسرّب أشخاص يُعتبرون متطرّفين إلى أجهزة الدولة، ومكافحة الإسلام المتطرّف. وقال وزير الداخليّة جيرالد دارمانان خلال افتتاح النقاشات في الجمعيّة الوطنيّة إنّ "بلدنا يعاني من (نزعات) انفصاليّة، أوّلها التطرّف الإسلاميّ الذي ينخر وحدتنا الوطنيّة". واعتبر أنّ مشروع القانون "يطرح استجابات ملموسة للانعزال المرتكز على الهوية ولانتشار الإسلام المتطرف (الذي يمثّل) إيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسّسة للجمهوريّة".


ـ مضمون القانون ..

على الرغم من الجدل المثار حول القانون وفرضية استهدافه للمسلمين في فرنسا من عدمه إلا أن أهم بنود القانون تعتبر إيجابية للمجتمع الفرنسي والمسلم بالخصوص وترفع عن المسلمين الفرنسيين الحرج وصبغة الاتهام بعد كل عملية إرهابية تحدث في فرنسا .

ـ يجرم مشروع القانون كل من يشارك معلومات حول شخص تتسبب في كشف هويته أو مكانه لأشخاص يريدون إيذاءه.

يهدف مشروع القانون أيضا إلى مكافحة الكراهية على الإنترنت، وضمان "المثول الفوري" للمتهمين أمام القضاء .


ويضع مشروع القانون عقوبات محددة على من يتعرض لموظفي الدولة أو مسؤولين منتخبين على أساس ديني (تهديد أو عنف أو تحرش).

ـ من ضمن بنود المشروع أنه يجب على كل جمعية تتلقى دعما ماليا أن "تحترم مبادئ وقيم الجمهورية".

كما سيتم اعتبار التبرعات الأجنبية التي تتجاوز 10 آلاف يورو موارد يجب التصريح بها لجهاز الضرائب.

وهي نقطة ايجابية أيضا تمنع التمويلات الأجنبية المشبوهة للجمعيات الدينية والتي تكون في بعض الحالات بصبغة سياسية أو راديكالية .


ويحرص النص على "ضمان شفافية ظروف ممارسة الديانة" عبر تغيير قانون 1905 حول الفصل بين الكنيسة والدولة في شق تمويل الجمعيات الثقافية لناحية تعزيز الشفافية.

ويوجد فصل "ضد الانقلاب" ويهدف إلى تجنب سيطرة متشددين على المساجد، ومنع أشخاص من ارتياد أماكن العبادة "في حال الإدانة بالتحريض على أفعال إرهابية أو التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف".


ـ ويوجد في الشقّ التعليمي من مشروع القانون إشارة إلى مكافحة مدارس الجمعيات غير القانونية وإنهاء التعليم في المنزل لجميع الأطفال اعتبارا من سن الثالثة "إلا لدواعي محدودة جدا تتعلق بوضع الطفل أو عائلته".


ـ كما ينص مشروع القانون على فصول أخرى حول منع شهادات العذرية وتعزيز الترسانة القانونية ضد تعدد الزوجات والزواج بالإكراه.


وبالنظر الى أهم بنود هذا القانون فإنها بنود مهمة لتعزيز سيادة القانون ومنع التطرف وتغلغل الجماعات المتطرفة وفرضها لأجندات وأفكار معينة بين المسلمين في فرنسا، وكانت هذه البنود دائما نقاط شائكة في الجدل القانوني والمجتمعي داخل البلاد ما استدعى اتخاذ خطوات جريئة بهذا الاتجاه .


ولكن مشكلة القانون بأنه طُرح في توقيت حساس للغاية بعد نشر الصور المسيئة للرسول الكريم " محمد "، والهجمات التي تلتها على شارلي إيبدو ومن ثم تصريحات ماكرون التي اعتبر فيها بأن الإسلام يعيش في أزمة " وهو تعبير خاطئ " حاولت الدبلوماسية الفرنسية توضيحه بأن هذه التصريحات تتعلق بفرنسا فقط ولا تعني عموم المسلمين ولا تقصد الإسأة، ولذلك يجب ضبط بوصلة تصريحات المسؤولين الفرنسيين لتكون حذرة في هذا التوقيت الحساس .


ـ اتهامات بالتمييز ضد المسلمين ..

لكنّ معارضي مشروع القانون باختلاف مشاربهم يرون أنّه يقيّد الحريّات ويقدّم رؤية ضيّقة للعلمانية وأنّ بعض فصوله مكرّرة وموجودة في قوانين نافذة. وشهدت الجمعيّة الوطنيّة جدلاً حادّاً حول فصل يتعلّق بالتعليم في المنزل الذي يهمّ اليوم نحو 62 ألف طفل في فرنسا. ويشدّد مشروع القانون الخناق على هذا النوع من التعليم عبر فرض ترخيص مسبق وشروط محدّدة لنيل هذا الترخيص (دوافع صحيّة، إعاقة، تنقّل العائلة بين مناطق عدّة، وغيرها).

وهذه نقاط يجب أن تؤخذ بالحسبان ولكن بشرط أن تكون استثناء وليست تعميم .

في المقابل، يعتبر آخرون أنّ الفرنسيّين يعيشون حالة "إنكار" لوجود الإسلام المتطرّف في بلادهم، ويأسفون مثلاً لعدم إدراج تعديلات حول ارتداء الحجاب الذي يمثّل موضوع نقاش متكرّراً في فرنسا منذ نهاية الثمانينات. وأراد حزب "الجمهوريّون" اليمينيّ المعارض حظر الحجاب في الجامعات وعلى المرافقات المدرسيّات، وهو يعتبر أنّ مطلبه يأتي رفضاً "لشكل من أشكال التبشير" ونضالاً ضدّ "رمز للعبوديّة".


وتظاهر السبت نحو مئتي ناشط حقوقيّ وأعضاء جمعيّات مسلمة دفاعاً عن حقّ المسلمين "في أن يكونوا مواطنين كالآخرين". وقالت المتظاهرة نور (39 عاماً) لفرانس برس "لستُ عضواً في أيّ جمعيّة، لكنّني جئت اليوم للمطالبة بإنهاء التمييز ضدّ المسلمين الذي ازداد منذ اعتداءات 2015 ويمنعنا من أن نكون مواطنين كالآخرين". وأضافت "نريد فقط أن نعيش مع الآخرين، مثل الآخرين، دون أن نُمنع من الحصول على وظيفة لأنّنا نحمل اسماً معيّناً أو لأنّنا نتحدّر من هذا الحيّ أو ذاك، وأن تتوقّف عمليّة التحقّق من هوّيتنا كما يحصل بانتظام".


ـ هل تستهدف فرنسا المسلمين فقط بقوانينها المتشددة ؟! ..

هذا الاتهام محوري في الجدال الحاصل في فرنسا وفي الحملات الخارجية التي يتم شنها ضد مصالح الدولة الفرنسية على اعتبار بأن فرنسا لا تستهدف سوى الجمعيات المسلمة سواء كانت متطرفة أم لا، ولكن هذه النظرية واقعيا غير صحيحة فالجهود الفرنسية وعلى بطئها ولكنها تستهدف جميع التنظيمات المتطرفة سواء كانت إسلامية أم مسيحية أم تتبع لليمين المتطرف .

وقبل يومين فقط أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان مساء السبت في تغريدة على حسابه في تويتر أن السلطات بدأت إجراءات لحل مجموعة "جيل الهوية" اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين.

وكتب دارمانان في التغريدة "جيل الهوية: إجراءات الحل بدأت". وأضاف أنه أمام هذه المنظمة الآن مهلة عشرة أيام لتقديم حججها.


وكان دارمانان تحدث عن هذه الإجراءات في 26 كانون الثاني/يناير. وقال إنه "صدم" بعد عملية مناهضة للمهاجرين قامت بها هذه المجموعة الصغيرة في جبال البيرينيه الفرنسية وأدت إلى فتح تحقيق أولي بتهمة "إثارة الكراهية العنصرية في مكان عام". وقدمت منظمة "إس أو إس راسيسم" شكوى.


وكان نحو ثلاثين ناشطا من المجموعة اليمينية المتطرفة قد انتشروا في سيارات كتب عليها "دفاعا عن أوروبا" في 19 كانون الثاني/يناير بالقرب من الحدود الإسبانية واستخدم بعضهم طائرات مسيرة لمراقبة الحدود.


وحسب قانون الأمن الداخلي، يمكن أن تعتبر تحركات المجموعة الصغيرة "تحريضا على التمييز أو الكراهية أو العنف ضد شخص أو مجموعة من الأشخاص بسبب أصولهم".


وفي 2019 أعلن حل الكثير من المجموعات اليمينية المتطرفة بينها "باستيون سوسيال" (المعقل الاجتماعي) و"دم وشرف" (بلاد أند أونور) و"كومبا 18" (معركة 18) بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.


ومن هذا المنطلق فإن نظرية استهداف فرنسا للجمعيات والمنظمات الإسلامية المتشددة فقط تبدو غير حقيقية، فالاجراءات الفرنسية تستهدف أي جمعية أو تنظيم يحض على العنف والكراهية والأفكار الراديكالية مهما كان توجهها وانتمائها، وبالنظر الى قوانين مشابهة في كل من النمسا وألمانيا والنمسا وسويسرا، فإن القوانين الفرنسية تبدو متناغمة مع هذه الدول في مكافحة الأفكار المتطرفة وانتشارها مجتمعيا .


ويبقى التحدي الأكبر أمام السلطات الفرنسية هو تطبيق القانون في حال تم إقراره " وهذا متوقع " من دون المساس بمبدأ الحريات العامة، وقانون فصل الدين عن الدولة الذي تم قراره عام 1905 .


وحدة الدراسات الأوروبية | الملف الفرنسي

مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية

 

Comments


bottom of page