
وحدة رصد الأزمات الدولية | ملف شرق المتوسط
برلين ديسمبر 2020: الدولة التي وقفت في قمتين أوروبيتين متتاليتين في وجه المشروع الفرنسي اليوناني وترأس في الوقت الراهن المجلس الأوروبي، أي ألمانيا تعلن انتهاء جهود المصالحة بين أنقرة وأثينا، الأمر الذي قد يعني قبولا ألمانياً بعدم عرقلة عقوبات أوروبية ضد تركيا في القمة المقبلة بسبب ما يوصف أوروبيا ب "استفزازات" تركيا في شرق المتوسط. وفي وقت تشير فيه تصريحات الدبلوماسيين الأوروبيين إلى عدم رضاهم عما تحقق في المنطقة المتنازع عليها بين تركيا واليونان، يبقى السؤال مطروحا عما إن كان الأوروبيين سيكتفون بفرض عقوبات رمزية تحذيرية أم أنهم سيلجأون لإجراءات موجعة تشمل الاتحاد الجمركي مع أنقرة وصادرات السلاح الأوروبية إلى تركيا وتحديدا الألمانية منها.
لا يختلف اثنان على أن الحكومة الألمانية وتحديدا وزير الخارجية هايكو ماس بذل في الأسابيع الماضية جهودا حثيثة من أجل إنجاح جهود الوساطة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ولكن إعلان الوزير ذاته أول أمس فشل هذه الجهود قائلا إن الصراع بين أنقرة وأثينا في شرق المتوسط “يشهد استفزازات كثيرة الأمر الذي يتطلب من رؤساء الدول والحكومات اتخاذ قرارات بخصوص الإجراءات اللازمة” يؤشر إلى أن الدول الاوروبية تستعد لبحث فرص فرض عقوبات ضد تركيا. هذه التحذيرات يمكن أيضا فهمها من تصريحات رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل الذي استبق ما ورد على لسان الوزير الألماني بمطالبة تركيا بإنهاء ما وصفه ب "لعبة القط والفأر" في شرق المتوسط.
ويبدو أن ساعة الحقيقة بخصوص العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ستدق الخميس المقبل في بروكسل ويبدو كذلك انه سيكون صعبا على رئيسة الحكومة الألمانية انجيلا ميركل للمرة الثالثة عرقلة طلب قدمته فرنسا واليونان والنمسا وقبرص لفرض عقوبات على تركيا بسبب ما يصفه الاتحاد الأوروبي ب "الممارسات التركية غير المقبولة" في شرق المتوسط.
ففي القمتين الأخيرتين، انقسم الأوروبيون بخصوص العلاقة مع تركيا إلى معسكرين الأول قادته ألمانيا وكان يفضل الإبقاء على القنوات الدبلوماسية مع تركيا وإعطاء الحل السياسي فرصة في شرق المتوسط، ومعسكر تتزعمه فرنسا واليونان ويؤيد فرض عقوبات ضد أنقرة تشمل الاقتصاد والسلاح. وفي نهاية القمة الأخيرة، توصل المعسكران إلى حل وسطي أفضى إلى تقديم عرض سياسي لتركيا يشمل أربع نقاط الأولى تحديث الاتحاد الجمركي معها والثانية إجراء مباحثات حول تسهيل عبور الرعايا الأتراك إلى الاتحاد الأوروبي.
والثالثة إجراء مفاوضات على مستوى عال والرابعة مواصلة التعاون بخصوص موضوع اللجوء. من ناحية أخرى، طالبت القمة الحكومة التركية بالتوقف عن "استفزازاتها أحادية الجانب" ضد اليونان وقبرص في شرق المتوسط وإلا فإن الاتحاد الأوروبي سيستخدم "جميع الآليات المتوفرة لديه" من أجل الرد على هذه الاستفزازات، وذلك كله بحسب البيان الختامي للقمة الأخيرة.
ماذا تحقق بين القمتين الأخيرة والمقبلة؟
مراقبة الأوضاع في شرق المتوسط تشير بوضوح إلى أن آمال الأوروبيين في خفض التصعيد لم يكتب لها النجاح. فتصريحات الدبلوماسيين الأوروبيين التي ورت في الأيام الأخيرة لاسيما بعد اجتماع وزراء الخارجية الإثنين الماضي في بروكسل تؤكد أن الأوضاع في شرق المتوسط لم تشهد تغيرات إيجابية. أبرز هذه التصريحات جاء على لسان مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال بوضوح " لم نرى شيئا يوحي بأن تركيا غيرت سلوكها بشكل جوهري. على العكس، في بعض النقاط ازداد الوضع سوء"، في حين وصف وزير الخارجية الألماني الممارسات التركية في شرق المتوسط ب "الاستفزازية". أما وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ فقد كان أكثر وضوحا في توصيفه للعلاقة بين الاتحاج الأوروبي وتركيا بالقول "سياسة تركيا فتح الباب تارة وإغلاقة تارة أخرى لا يمكننا القبول بها".
عقوبات رمزية أم موجعة؟
وفي وقت رفض فيه بوريل تحديد طبيعة العقوبات التي يدرسها الاتحاد الأوروبي، أكد أنه سيتم نقل هذا الملف إلى طاولة رؤساء الدول والحكومات في قمة يوم الخميس علما أن مفوضية الشؤون الخارجية عرضت في نهاية أغسطس الماضي لائحة بعقوبات محتملة أهمها عقوبات ضد مسؤوليْن في شركة الطاقة التركية الحكومية (TPAO) في حين اقترحت قبرص فرض عقوبات ضد خمسة أشخاص آخرين إضافة ثلاث شركات تابعة لشركة الطاقة التركية المذكورة. وفي المرحلة الثانية من هذه العقوبات تحدث بوريل عن عقوبات اقتصادية قد تصيب قطاع السياحة.
في هذه الأثناء، قدم رئيس وزراء لوكسمبورغ جان أسلبورن الإثنين الماضي آلية عقوبات أخرى تتعلق بخروقات حقوق الإنسان واعتمدها وزراء الخارجية في اجتماعهم يوم الإثنين الماضي، بحسب المسؤول. وبناء على كل ما ورد يبدو ان ما يصفه الأوروبيون ب "الاستفزازات" التركية في شرق المتوسط سيفضي إلى اتخاذ عقوبات بحق تركيا. ولكن السؤال يبقى حتى انتهاء القمة المقبلة متعلقا بطبيعة هذه العقوبات وبالرد التركي عليها.
مصلحة ألمانيا
من ناحية، يتوقع مراقبون رضوخ معسكر ألمانيا إلى مطالب الدول التي تدعو إلى فرض عقوبات قاسية ضد أنقرة، ولكن من ناحية أخرى، ستبقى الحكومة الألمانية تطالب بعدم الذهاب بعيدا في هذه العقوبات، وذلك حرصا منها على عدم إغلاق جميع الأبواب أمام تركيا وفي الوقت ذاته إرضاء الشركاء الأوروبيين لاسيما الحليف الفرنسي ولكن أيضا اليونان وقبرص، العضوان في الاتحاد الأوروبي.
وتنطلق ألمانيا في سياستها الراغبة في عدم قطع قنوات الاتصال مع تركيا إلى مصالحها الاقتصادية قبل كل شيء نظرا للعلاقات التجارية المميزة مع تركيا وأيضا من كون أنقرة أكبر مشتر للسلاح الألماني في الأعوام الماضية، ولكن أيضا من حرصها على التزام تركيا باتفاق اللجوء الموقع معها في مارس من عام 2016 ومن حرص سلطاتها على علاقة جيدة مع الجالية التركية الأكبر في أوروبا (قرابة 3 ملايين تركي وألماني من أصول تركية).
مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية
Comments