
وحدة رصد الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية الأفريقية
باريس 15 فبراير 2021 : تنعقد اليوم قمة مجموعة دول الساحل الأفريقي وفرنسا G5 والهدف الأساسي هو مناقشة النشاطات المتطرفة التي أصبحت متصاعدة في دول الساحل الإفريقي، وتخشى فرنسا وحليفاتها الخمس في المجموعة بأن تتحول منطقة الساحل الى أرض خصبة للتنضيمات المتطرفة بعد أن خسرت مناطق سيطرتها في سوريا والعراق، لتبدأ عملياتها التصاعدية في الشريط الساحلي الأفريقي.
وتبحث باريس عن دعم يتيح لها خفض عديد قواتها في هذه المنطقة وسط جدل متصاعد في الداخل الفرنسي حول زيادة عدد قوات عملية برخان أو خفضها بعد أن حذر رئيس المديرية العامة للأمن الخارجي بأن الجهاديين في الساحل يشكلون خطرا على فرنسا وأوروبا عموما من خلال تحضيرهم لهجمات إرهابية على أراضيها.
وعلى الرغم من الشائعات، من غير المتوقع أن تعلن فرنسا عن أي انسحاب لقواتها خلال اجتماع نجامينا. بدلا من ذلك، ولتخفيف العبء، تأمل فرنسا في الحصول على مزيد من الدعم العسكري من شركائها الأوروبيين من خلال مهمة "تاكوبا" التي تساعد مالي في قتالها ضد الجهاديين.
وبهذا الاتجاه ترى فرنسا بأن خطر الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل يجب أن تتم مواجهة بشكل جماعي من قبل الدول الأوروبية مجتمعة بعد أن كان هذا الدور ملقى على عاتق فرنسا التي تواجه أزمات عديدة في أفريقيا، ويشكل خطر الجماعات المتطرفة في الساحل الأفريقي تهديدا للأوروبيين ودول المنطقة على محورين .
الأول : سهولة وصول عناصر هذه الجماعات المتطرفة الى أوروبا عبر طرق الهجرة التي لا تزال مفتوحة وسهلة برغم كل الاجراءات المتبعة لمواجهة هذه الظاهرة .
الثاني: أن تكون منطثة الساحل نقطة تجمع وتدريب وتمويل للجماعات المتطرفة حول العالم وليس في أفريقيا فثط " كما كانت أفغانستان سابقا " على سبيل المثال .
ويعقد قادة دول الساحل الخمس، بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، في العاصمة التشادية نجامينا قمة سيشارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عبر الفيديو. وتأتي القمة التي تستمر يومين، بعد عام على تعزيز فرنسا انتشارها في منطقة الساحل على أمل استعادة الزخم في المعركة التي طال أمدها. لكن رغم ما يوصف بانها نجاحات عسكرية، لا يزال المتطرفون المسلحون يسيطرون على مساحات شاسعة من الأراضي ويشنون هجمات بلا هوادة.
وترى باريس بأن مواجهة الجماعات الراديكالية المتطرفة في مالي والساحل الأفريقي أصبح أمر مهم جدا ويتعلق بالأمن الاستراتيجي لفرنسا و دول الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن التحذيرات تتصاعد من اتخاذ الجماعات المتطرفة توجه لكي تكون دول الساحل الأفريقي نقطة تمركز جغرافي بعد خسارة مناطق السيطرة الجغرافية في سوريا والعراق، ومن هذا المنطلق ترى فرنسا بأن الدول الأوروبية يجب أن تكون فاعلة بشكل أكبر في جهود مكافحة الإرهاب في دول الساحل الأفريقي وأن الدول الأوروبي لا زال ضعيفا جدا مقارنة بالتحديات .
ـ فرنسا بين تخفيض عدد قواتها أو زيادتها ..
على الرغم من مقتل خمسة جنود فرنسيين مؤخرًا، تعتقد باريس أنها حققت نتائج عسكرية مهمة وتتوقع من السلطات المركزية أن تعيد نشر سلطتها في مناطق واسعة تخلت عنها.
وتعتمد فرنسا أيضًا على تعاونها مع الولايات المتحدة التي توفر قدرات استخباراتية ومراقبة وإعادة تزويد الطائرات بالوقود والنقل اللوجستي بتكلفة 45 مليون دولار سنويا.
في أوائل عام 2020، قالت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تعتزم تقليص وجودها في إفريقيا، ما أثار توجس فرنسا من تقليص المساعدات الأمريكية لبرخان. لكن ذلك لم يحدث.
وقد يسهل الحوار مع إدارة الرئيس جو بايدن. وأكد قصر الإليزيه في هذا الصدد أن "الأمريكيين يقولون لنا إنهم يثمنون جدا ما نقوم به في منطقة الساحل".
ولكن فرنسا أيضا وقعت في مشكلة بين زيادة ضرورية في عدد القوات العسكرية المنتشرة في الساحل الأفريقي في إطار عملية بارخان، وبين توجه أخر لخفض عدد هذه القوات والدفع بتواجد عسكري أوروبي مساند لعمل القوات الفرنسية وتفعيل الدور الأمريكي بعد وصول جو بايدن الى السلطة .
و زادت فرنسا العام الماضي عديد قوتها في اطار مهمة برخان في منطقة الساحل من 4500 جندي إلى 5100، وهي خطوة سمحت بتحقيق سلسلة من النجاحات العسكرية الواضحة.
وقتلت القوات الفرنسية زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال، وكذلك القائد العسكري لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة. لكنّ الهجمات الأخيرة رفعت أيضا عدد القتلى الفرنسيين في المعارك في مالي إلى 50، ما استدعى نقاشا في الداخل الفرنسي حول كلفة مهمة برخان والفائدة منها. وفتح الرئيس ايمانويل ماكرون الشهر الماضي الباب أمام امكان الانسحاب، ما يشير إلى أن فرنسا قد "تعدّل" التزامها العسكري.
وفي 2017، أطلقت مجموعة الدول الخمس قوة قوامها خمسة آلاف عنصر، لكنها لا تزال متعثرة بسبب نقص الأموال وسوء المعدات والتدريب غير الكافي. وأوضح مثال على ذلك هو أن الجنود في بوركينا فاسو غالبا ما يتركون قواعدهم.
وقبل عام تعهدت تشاد التي توصف بأنها تملك أفضل جيش بين الدول الخمس، بإرسال كتيبة إلى نقطة "الحدود الثلاثية" حيث تلتقي مالي والنيجر وبوركينا. لكن الانتشار العسكري لم يحصل بعد.
تأمل باريس أيضًا أن تؤدي نجاحات العام الماضي إلى تعزيز الإصلاح السياسي في دول الساحل، حيث أدى ضعف الحكم إلى تغذية الإحباط وعدم الاستقرار.
وأشار مسؤول يعمل في الرئاسة الفرنسية طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن القادة قد يناقشون إمكانية استهداف كبار قادة جماعة نصرة الاسلام والمسلمين. لكن يبدو أن فرنسا على خلاف بشأن هذه النقطة مع قادة مالي الذين يُبدون رغبة متزايدة بفكرة اجراء حوار مع المسلحين المتطرفين لوقف إراقة الدماء.
ـ الموقف الأوروبي ..
يشارك الأوروبيين فرنسا القلق من تنامي عمليات الجهاديين في الساحل الأفريقي، ولكن هذا القلق لم يدفع دول الاتحاد الأوروبي للمشاركة بشكل فعال في إرسال قوات عسكرية الى منطقة الساحل من أجل المشاركة في مواجهة تصاعد الجهاديين .
ومنذ أن أعلنت فرنسا عن قوة تاكويا الأوروبية لمساعدة الجيش المالي في عملياته ضد الجماعات المتطرفة لم تشارك سوى ثلاث دول أوروبية وهي الجمهورية التشيكية وإستونيا والسويد مؤخرا.
وهذه الدول الثلاث هي التي لبت طلب فرنسا دعم قوة "تاكوبا" التي تضم وحدات من القوات الخاصة ومهمتها تدريب القوات المالية وتوسيع نطاق المشاركة في عملية مكافحة التنظيمات المتشددة، والتي تقودها فرنسا منذ 8 سنوات في منطقة الساحل.
بالإضافة الى قوة ألمانية منفصلة لا تتخطى الألف جندي مهمتها أيضا المساعدة في تدريب الجيش المالي .
ومهما كان الموقف فإن فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا تستطيع التخلي عن مواجهة الجماعات المتطرفة التي بدأت تتصاعد في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة أن هذه الجماعات بدأت تقوم بعمليات نوعية وهجمات بعدد أكبر من السابق لإرسال رسالة بأنها لا زالت قاعلة وقادرة على الضرب من جديد والسيطرة على مساحات جغرافية مهمة بعد خسارة معاقلها في سوريا والعراق .
ولا يمكن السماح بأي شكل من الأشكال تحويل منطقة الساحل الأفريقي لمنطلق لعمل الجماعات الجهادية المتطرفة والإ فإن الخطر سيكون قريب جدا من الدول الأوروبية التي تشهد إقبال كبير على الهجرة غير الشرعية من أفريقيا وخصوصا فرنسا.
وحدة رصد الأزمات الدولية | ملف قمة فرنسا ودول الساحل الأفريقي
مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية
Comments