
وحدة رصد الأزمات الدولية | الملف النووي الإيراني
باريس 18 فبراير 2021 : يبحث وزراء خارجية الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة الخميس مسألة إعادة إحياء اتفاق 2015 المبرم مع إيران بشأن برنامجها النووي، قبل أيام من انقضاء مهلة نهائية حددتها طهران ستفرض من بعدها قيودا على عمليات التفتيش.
ويستضيف وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان نظيريه الألماني والبريطاني في باريس بينما ينضم إليهما وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن عبر الفيديو، وفق ما أعلنت الخارجية الفرنسية الأربعاء.
وفي تشديدها على الطريق الصعب المقبل في هذا الصدد، أعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن "قلقها" حيال فشل إيران في الإيفاء بالتزاماتها وذلك خلال اتصال هاتفي أجرته مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وفق بيان صدر عن الناطق باسمها.
بدورها، تخطط إيران لفرض قيود على بعض عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال لم ترفع واشنطن عقوباتها التي فُرضت منذ 2018، بحلول 21 شباط/فبراير، وذلك بناء على بنود قانون أقرّه برلمان الجمهورية الإسلامية في كانون الأول/ديسمبر.
ويتوجه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي السبت إلى طهران لعقد محادثات مع السلطات الإيرانية تهدف إلى إيجاد حل يمكّن الوكالة من مواصلة عمليات التفتيش في إيران، بحسب الهيئة الأممية.
وحذّرت الهيئة من "التداعيات الخطيرة" للخطوة التي تهدد بها إيران على "أنشطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق والمراقبة في البلاد".
وفي واشنطن، صرّح المتحدّث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن على إيران أن "تتعاون بشكل كامل وفي الوقت المناسب" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال "على إيران التراجع عن خطواتها والامتناع عن اتّخاذ خطوات أخرى من شأنها التأثير على تطمينات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لا تعتمد عليها الولايات المتحدة وحلفاؤنا وشركاؤنا في المنطقة فحسب، بل العالم بأسره"، مشيرا إلى أن بلينكن يرى أنه بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يلعب "دورا مهما".
ـ الدور الأوروبي والتنسيق مع الولايات المتحدة ..
يشكل الدور الأوروبي عامل مهم في الدفع نحو مفاوضات شاملة بما يتعلق بالاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، وكانت تسعى الدول الأوروبية جاهدة للحفاظ على التزام جميع الأطراف ببنود الاتفاق والذهاب الى مفاوضات تكميلية بما يتعلق بسياسات إيران الإقليمية وبرنامجها للصواريخ الباليستية، وعلى الرغم من رفض الدول الأوروبية وعدم رضاهم عن انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من الاتفاق الموقع عام 2015، إلا أن هذه الدول بقيت على مسافة واحدة من جميع الأطراف .
وأنشأت الدول الأوروبية آلية انستكس للتبادل التجاري مع إيران في محاولة لتخفيف شدة العقوبات الأمريكية التي تم فرضها على طهران ولكن هذه الآلية لم يتم تفعيلها بسبب اتهامات متبادلة بين الجانبين الأوروبي والإيراني حول الالتزام بمكافحة تمويل الإرهاب وعدم الجدية في تقديم المساعدة الاقتصادية .
ولكن موقف الدول الأوروبية أصبح أكثر تشددا مع إيران من أي وقت مضى بعد وصول الرئيس الديمقراطي جو بايدن الى البيت الأبيض، وأصبحت العواصم الأوروبية الثلاثة تخشى عودة سريعة من قبل الولايات المتحدة للاتفاق النووي ورفع كامل للعقوبات عن طهران من دون التفاوض حول الملفات المهمة وهي الصواريخ البالستية والسياسات الإقليمية، ولذلك أصبح الصوت الأوروبي عاليا جدا بضرورة التفاوض حول هذه الملفات جنبا الى جنب مع البرنامج النووي الإيراني، وكانت تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون و وزير خارجيته جان ايف لودريان بالإضافة الى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس واضحة بهذا الخصوص، وأن هناك ضرورة ملحة للتفاوض على جميع الملفات مع طهران والعودة الى الالتزام بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 لا تكفي لحل المسائل الشائكة مع طهران .
وكانت إيران قد اتخذت خطوات كبيرة ومتسارعة في خرق الاتفاق النووي منذ وصول الرئيس بايدن الى البيت الأبيض برفع نسب التخصيب ومن ثم إنتاج اليورانيوم المعدني الى إبلاغ الوكالية الدولية النووية عن انسحابها من البروتوكول الإضافي وهذا ما استدعى التحرك السريع من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة لتنسيق المواقف .
ـ فرنسا ومعادلة الأمن الإقليمي مع الاتفاق النووي ..
تعتبر فرنسا هي صاحبة الصوت الأعلى الأكثر تشددا الأن في الاتحاد الأوروبي حول ضرورة التفاوض على كافة الملفات مع إيران وعدم تكرار خطأ عام 2015 بعدم إشراك الدول الإقليمية مثل السعودية في المفاوضات وأخذ مواقفها بعين الاعتبار وهو ما أشار اليه ماكرون صراحة عندما دعا الى عدم تكرار هذا الخطأ .
كما تطرح باريس معادلة الأمن الإقليمي جنبا الى جنب مع البرنامج النووي الإيراني ولا يمكن التفاوض أو المضي برفع كامل للعقوبات من دون الجلوس على طاولة المفاوضات ومناقشة كافة الملفات، وهو موقف فرنسي جذب معه الموقف الأوروبي بأكمله ليكون العامل الإيجابي الموازن لفرملة أي توجه أمريكي لرفع العقوبات وإطلاق يد إيران مرة أخرى في تمويل الميليشيات والأنشطة التي تزعزع الإقليم .
هل تستطيع الدول الأوروبية فرملة إدارة بايدن عن الاندفاع نحو رفع العقوبات ؟؟
هذا السؤال مطروح بقوة في هذا التوقيت الحساس من مسار الاتفاق النووي، ومن خلال التعيينات التي أجراها بايدن حول إيران وخصوصا مبعوثه الخاص الى طهران روبرت راب فإن الاندفاع الأمريكي نحو إيران قد يكون وارد بقوة خلال الفترة القادمة، خاصة عندما طرح بلينكن فرضية قدرة امتلاك إيران للقدرات النووية العسكرية بعد أسابيع وضرورة التحرك بسرعة، وهذا التحرك يفهمه الأوروبيون بعودة سريعة للاتفاق ورفع العقوبات من دون التفاوض على ملفات الصواريخ البالستية والسياسات الإقليمية، وهذا ما لا يريده الأوروبيون وخصوصا فرنسا .
ومن حيث المبدأ فإن الدول الأوروبية تراهن على توجه بايدن نحو التشاور مع الحلفاء في أي خطوة تجاه إيران وعدم اتخاذ أي خطوة تغضب حلفاء واشنطن على الضفة الأخرى من الأطلسي، كما أن توجه بايدن لإصلاح الشرخ الذي أحدثه ترمب مع الأوروبيين يعطي قوة نوعا ما للموقف الأوروبي بطرح النقاط الخلافية مع واشطن والحديث عنها للوصول الى استراتيجية موحدة تجاه إيران، والأهم بالنسبة للدول الأوروبية هو اتخاذ خطوات متزامنة ومنسقة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية والحلفاء في المنطقة من أجل تنسيق العمل المشترك في الوصول الى حل جذري لقضية إيران بما يشمل الاتفاق النووي والصواريخ البالستية والسياسات الإقليمية .
ويمكن اعتبار اجتماع اليوم هو بداية للتنسيق الأمريكي الأوروبي حول إيران والبدء بالإعداد لاستراتيجية متناسقة بين الجانبين في التعامل مع طهران سواء في الضغوط أو الحوافز، وهو التحرك الأبرز منذ وصول بايدن الى السلطة وهو ما استدعى اجتماع وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا مع نظيرهم الأمريكي للبدء بتنسيق المواقف .
ويجب التحرك بسرعة بهذا الإطار من قبل كافة الأطراف خاصة مع تسريع إيران من خطواتها نحو امتلاك القدرات العسكرية النووية وهذا ما أصبح راسخاً لدى الأوروبيين وأشارت اليه فرنسا بشكل صريح قبل أيام بأن برنامج إيران النووي هدفه هو امتلاك أسلحة نووية وليس الاستخدام السلمي، بعد أن قامت طهران بإنتاج كميات من اليورانيوم المعدني .
ولن يغفل الوزراء المجتمعين سياسة العصا والجزرة التي يجب استخدامها مع طهران للتوازن في مسار الضغوط والمفاوضات من أجل الوصول الى حل سريع لهذه القضايا الخلافية خاصة وأن الانتخابات الرئاسية الإيرانية أصبحت على الأبواب ويمكن أن تؤدي لوصول رئيس من المحافظين المتشددين وعندها ستكون المهمة أعقد بكثير .
ويبقى الموقف الأوروبي بين الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي موحد ونهائي، يجب التفاوض حول النقاط الثلاثة " الملف النووي، والبرنامج الصاروخي الباليستي، والسياسات الإقليمية "، وهو موقف جيد ومهم للأوروبيين إذا استطاعوا الحفاظ على هذا الضغط من أجل فرملة إدارة بايدن والضغط على إيران وإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات بعد أن رفضت ذلك بعد وصول بايدن الى البيت الأبيض .
وحدة رصد الأزمات الدولية | الملف النووي الإيراني
مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية
Comments