
مركز جنيف للدراسات | ملف مؤتمر ميونخ للأمن 2021
باريس - برلين 19 فبراير 2021 : تنطلق اليوم أعمال مؤتمر ميونخ للأمن (MSC) وسط مشاركة سياسية رفيعة المستوى من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بالإضافة الى قادة غربيين أخرين، وسيكون المؤتمر فرصة ذهبية للسياسيين من أجل إعادة التواصل في العلاقات بين ضفتي الأطلسي بعد أن شهدت فترة من الجمود بسبب سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب .
ويُعقد مؤتمر ميونيخ للأمن (MSC) بشكل سنوي منذ عام 1963 ويدور حول السياسة الأمنية الدولية، ويهدف مؤتمر هذا العام إلى تجديد العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بعد أقل من شهر من تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة.
وفي تصريحات صحافية، قال رئيس مؤتمر ميونخ الدبلوماسي فولفغانغ ايشيتغر، إن المؤتمر، بنسخته الرقمية هذا العام، سيشكّل منصة للطرفين الأوروبي والأميركي لتوحيد العمل والتشارك في القضايا العالمية، بينها الإرهاب والمناخ وجائحة كورونا. وأبرز أنه سيكون لميركل وبايدن وماكرون 15 دقيقة لتقديم وجهات نظر حول جدول الأعمال عبر الأطلسي، على أن يستتبع ذلك بفعاليات يشارك فيها قادة الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" وباقي المنظمات، بينها منظمة الصحة العالمية، وأنه بدلاً من التفاعل المباشر، سيكون هناك وقت للأسئلة والردّ عليها بإجابات موجزة.
من جهته، توقع المنسق عبر الأطلسي للحكومة الألمانية بيتر باير، وفق صحيفة "راينشه بوست"، أن يقدّم بايدن إجابات محدّدة بشأن التعاون مع الاتحاد الأوروبي وكذلك مع ألمانيا، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بمسألة الأهداف المشتركة، آملاً في أن يعطي الرئيس الأميركي دعماً قوياً للصداقة عبر الأطلسي، وللموضوعات المستقبلية المشتركة من التجارة إلى الأمن والصحة والمناخ والرقمنة.
ويشكل المؤتمر بمتحدثيه المهمين فرصة لطرح القضايا الأساسية المهمة وخاصة الخلافية في العلاقات بين ضفتي الأطلسي وأهمها " العلاقة مع الصين، ومشروع نورد ستريم، وحلف الناتو، وتنسيق السياسات الأمنية والدفاعية المشتركة "
ـ فرنسا وألمانيا والمعادلة الصعبة ..
تشكل كل من فرنسا وألمانيا قطبي القيادة الحالي للاتحاد الأوروبي سياسيا واقتصاديا، ويجب على الزعيمين الأوروبيين ايمانويل ماكرون وأنغيلا ميركل التعامل مع الولايات المتحدة من محورين مهمين أولهما مصالح دولهم الخاصة في العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة والمحور الثاني هو دفع علاقات الاتحاد الأوروبي كمنظومة واحدة مع الولايات المتحدة .
وإن كانت التصريحات بين بايدن والمسؤولين الأوروبيين لا تزال إيجابية جدا منذ نجاحه في الانتخابات و وصوله الى البيت الأبيض، إلا أن شهر العسل قد ينتهي قريبا بين الرئيس الأمريكي والقادة الأوروبيين خاصة أن هناك الكثير من الملفات الدولية المهمة التي لا تتطابق فيها وجهات النظر بين الطرفين .
وتتمثل الملفات الخلافية بين الجانبين في عدة نقاط رئيسية .
ـ مشروع نورد ستريم 2 للطاقة ..
تعترض الولايات المتحدة الأمريكية بشدة على المشروع الطموح بين ألمانيا وروسيا لنقل الغاز الروسي الى أكبر اقتصاد أوروبي، وسعت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة دونالد ترمب لوقف هذا المشروع بكافة الوسائل الممكنة ولكن ألمانيا رفضت الأمر و واجهت الضغوط القصوى التي مارستها الولايات المتحدة والتي وصلت الى فرض عقوبات على الشركات الأوروبية العاملة في المشروع، ومن المعلوم أن بايدن يعتبر أن خط الغاز "عمل سيئ لأوروبا" .
وعلي الرغم من أن بعض الدول الأوروبية تماهت مع الولايات المتحدة في دعوتها لبرلين في وقف المشروع إلا أن هذه الدعوات كانت خجولة وفي إطار التصريحات الدبلوماسية فقط لأن الدول الأوروبية تدرك جيدا أهمية المشروع لأمن الطاقة الأوروبي .
وعلي الرغم من التوتر في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا في الأسابيع الأخيرة بسبب قضية نافالني إلا أن الاتحاد الأوروبي لا يتطابق في العلاقة مع الولايات المتحدة بشأن العلاقة مع روسيا .
وهناك محور أوروبي تقوده فرنسا برئاسة ايمانويل ماكرون يرى بأن هناك ضرورة ملحة للحوار مع روسيا ومحاولة تحسين العلاقات معها وهذا فعليا ما فعلته فرنسا في الفترة الماضية ولكن الاشتباك الكبير في عدد من الملفات الخلافية أجل هذا الاتجاه ولكن مع ابقاء قنوات الحوار مفتوحة بين الطرفين .
والنقطة الأهم بأن الاتحاد الأوروبي أصبح حذرا جدا في بناء تحالفاته السياسية والاقتصادية بما يتناسب مع مصالح الاتحاد الأوروبي فقط وليس بما يتناسب مع المصالح الأمريكية - الأوروبية، وترى الدول الأوروبية بأن التحالف الاستراتيجي بين أوروبا وأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية قد ولى عهده وانتهى، وكانت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب سبب رئيسي في تعزيز هذه القناعة الأوروبية .
وعلى الرغم من جهود بايدن لإعادة العلاقات الى فترة ما قبل ترمب إلا أن الدول الأوروبية لن تقبل بهذه الفرضية مهما كان الموقف .
ـ الانفاق الدفاعي في الناتو ..
يطغى موضوع الإنفاق الدفاعي لحلف شمال الأطلسي على أعمال المؤتمر، وتأكيد نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تم تأكيدها في قمة ويلز 2014 بعد أن تم الالتزام بها في قمة براغ 2002. ويدور نوع من الكباش بين دول الناتو حول الدعم المالي للحلف، بعدما لم تلتزم سوى 9 دول حتى الآن بهذا التعهد، وهناك ضغوط على ألمانيا، قاطرة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، للوصول إلى هذه النسبة، إنما لا يمكن أن تتخطى 1,6 % بسبب الانكماش الاقتصادي.
ـ العلاقة مع الصين ..
تعتبر العلاقات المستقبلية مع الصين، من أبرز التحديات التي تواجه التعاون عبر الأطلسي، بعد أن أقدم الاتحاد الأوروبي، وقبل أيام من انتهاء ألمانيا من الرئاسة الدورية للمجلس الأوروبي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقبل فترة وجيزة من تولي بايدن منصبه، على إعلان انفراجة في اتفاقية الاستثمار الأوروبية الصينية.
ومن خلال المؤشرات الحالية يبدو أن واشنطن ستركز على سياسة أكثر حدة مع بكين، في وقت كانت ألمانيا مهتمة باستراتيجية مشتركة مع الصين، وفق ما قال المنسق الحكومي بيتر ماير. ويبقى السؤال ما إذا كان بايدن سيصنّف النهج الأوروبي بأنه صفعة أم أنه سيشجع مرة أخرى، وبدبلوماسية، على محاسبة الصين بشكل جماعي.
سفير ألمانيا السابق لدى الولايات المتحدة قال إن لو كان بالإمكان تلقي الرئيس الأمريكي أسئلة، فإن سؤاله الرئيسي الذي كان سيطرحه على بايدن سيكون حول الصين، التي وصفها بأنها أحد أكبر التحديات التي تواجه التعاون عبر الأطلسي.
وقال إيشينغر: "إذا فشلنا في التوافق حول رؤية مشتركة للصين، فسنواجه مشاكل لا نهاية لها، واحتكاكات لا نهاية لها، عبر المحيط الأطلسي"، مضيفاً: "مصالحنا فيما يتعلق بالصين ليست متطابقة".
ولدى الولايات المتحدة التزامات أمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا يلتزم بها الاتحاد الأوروبي، مما يسمح للاتحاد الأوروبي بالنظر إلى علاقته مع الصين على أنها علاقات تجارية إلى حد كبير.
وفي عام 2020 تفوقت الصين على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وفقًا لإحصاءات الاتحاد الأوروبي الصادرة يوم الاثنين. وقد وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقًا استثماريًا مع الصين في وقت سابق من هذا العام، بينما استمرت سياسة التعريفات الجمركية الأمريكية التي تم فرضها خلال إدارة ترامب سارية حتى اليوم تحت حكم الرئيس بايدن.
ولكن الدول الأوروبية لديها مشاكل مفصلية مع الصين أيضا في بعض القضايا وخصوصا السياسات الاقتصادية السلبية التي تتبعها بكين حول العالم خصوصا في ظل جائحة كورونا ، وكانت الدول الأوروبية الأكثر انزعاجا من سياسات الصين بعد الجائحة خصوصا بما يتعلق بعمليات الاستحواذ على الشركات الأوروبية المتعثرة بسبب جائحة كورونا .
كما تعتبر قضايا الأمن وتعزيز التعاون حول مواجهة التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب ومواجهة الهجمات السيرانية نقطة مهمة أيضا في نقاشات القادة في المؤتمر، ولكن الملفات السياسية ستكون طاغية أكثر على مناقشة القادة بين ضفتي الأطلسي في محاولة لرأب الصدع الذي تركه ترمب وإعادة العلاقات الى طبيعتها .
وحدة الملفات الدولية | مؤتمر ميونخ للأمن
مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية
Comentarios