
وحدة رصد الأزمات الدولية | ملف العلاقات الأوروبية الصينية
باريس 11 فبراير 2021 : بدأ التوتر الصيني الأمريكي يتصاعد بسرعة أكبر من المتوقع بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن الى السلطة، ويبدو بأن بايدن لا يريد أن يظهر بأنه الرئيس الديمقراطي الضعيف الذي سيقدم تنازلات أمام الصين بعد أن كان سلفه دونالد ترمب الرئيس الأمريكي الأشجع الذي بدأ الحرب التجارية مع الصين والتي كانت تحتاجها الولايات المتحدة منذ وقت طويل لمواجهة سياسات الصين الاقتصادية المضرة للولايات المتحدة والاقتصاد العالمي .
وفي خطوة تصعيدية أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تشكيل فريق عمل في وزارة الدفاع مكلف ملف الصين، وأمر بالشروع فورا في مراجعة للمقاربة الاستراتيجية العسكرية للمخاطر التي تشكّلها بكين.
وأمهل بايدن فريق العمل الجديد أربعة أشهر لتقديم تقييمه "من أجل تحديد مسار قوي للمضي قدما في القضايا المتعلّقة بالصين والتي ستتطلّب جهدا على مستوى الإدارة مجتمعة".
مما يعني بأن الحرب التجارية ستتصاعد بين الولايات المتحدة والصين في الفترة القادمة وقد تمتد لتكون تضارب في المصالح العسكرية في بحر الصين وتايوان .
و نقل التلفزيون المركزي الصيني عن رئيس البلاد شي جين بينغ، أنه أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مكالمة هاتفية، أن الصدام بين البلدين سيؤدي إلى كارثة للعالم بأسره.
وشدد الرئيس الصيني في أول اتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي الجديد، على أن التعاون هو الخيار الوحيد في العلاقات الثنائية بين بكين وواشنطن.
وقال شي جين بينغ: "التعاون الصيني الأمريكي مفيد من نواح كثيرة لكل من الولايات المتحدة والصين والعالم بأسره. المواجهة بين الصين والولايات المتحدة هي بالتأكيد كارثة للبلدين والعالم بأسره".
وأكد الرئيس الصيني أنه على الرغم من اختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا، إلا أنه يجب حل الخلافات على أساس الاحترام المتبادل.
علاوة على ذلك، دعا شي جين بينغ إلى استئناف آليات الحوار بين بكين وواشنطن، وتحديد سياسات كل طرف تجاه الآخر بشكل صحيح من أجل تجنب الحسابات والأحكام الخاطئة.
ـ الاتحاد الأوروبي وانضمامه الى الصراع مع الصين ..
حاول الاتحاد الأوروبي النأي بنفسه عن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة عندما بدأها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ودائما ما كانت دول الاتحاد الأوروبي تحاول أن تعطي توجه ايجابي في العلاقات الاقتصادية مع الصين من أجل الوصول الى درجة من العدالة في المصالح الاقتصادية بين الجانبين، على الرغم من اعتراضات الاتحاد الأوروبي المتكررة على سياسات الصين الاقتصادية بما يتعلق بالتلاعب بأسعار العملة واتباع سياسات اقتصادية سلبية تجاه أوروبا .
ولكن هذه الإيجابية الأوروبية انقلبت رأسا على عقب بعد توقيع الصين لاتفاق تجاري منفرد مع إيطاليا بمعزل عن دول الاتحاد الأوروبي في إطار مشروعها الطموح " الحزام والطريق "، وهذا ما استدعى قمة شبه طارئة بين الرئيس الصيني شي جينغبينج والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل .
وكانت الرسالة الأوروبية واضحة " لا يمكن للصين أن تستغل الخاصرة الرخوة للاتحاد الأوروبي في إيطاليا التي تمر بأزمة اقتصادية، ولا يمكن التوقيع مع دول الاتحاد الأوروبي منفردة في إطار الاتفاقات التجارية، وأي جهود في التعاون يجب أن تمر عبر مؤسسات المفوضية الأوروبية "
لتأتي بعدها الضربة الكبرى في العلاقات الاقتصادية بين الجانبي الأوروبي والصيني عندما بدأت الصين تتبع سياسات سلبية جدا تجاه أوروبا في خضم أزمة كورونا، وفي الوقت الذي كانت فيه الاقتصادات الأوروبية تعاني بشكل كبير والشركات الأوروبية على وشك الإفلاس، بدأت الصين بالاستحواذ على عدد كبير من الشركات الأوروبية المفلسة والمتعثرة، وهذا ما استدعى تحرك أوروبي عاجل في فرنسا وألمانيا واصدار قرار سريع بمنع استحواذ المستثمرين الصينيين على أي شركة أوروبية بنسبة تزيد عن 25٪، وأي استحواذ بأكثر من هذه النسبة يجب أن يخضع لمراجعة الأمن القومي .
وتصاعد الجدل الأوروبي حول الحمائية مع دعوات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إلى وضع آلية على مستوى أوروبا لإجراءات فحص أكثر صرامة لعمليات الاستحواذ الأجنبية. وتأتي هذه الخطوة وسط مخاوف متزايدة من فقدان ميزة المنطقة في التكنولوجيا، ونقل ما يُسمى "التقنيات ذات الاستخدام المزدوج" إلى الصين، وباتت الحكومات الأوروبية تعمل على تعزيز الحماية ضد عمليات الاستحواذ مع تنامي المخاوف من أن الشركات التي انخفضت أسعار أسهمها بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا ستكون عرضة للاجتياح الصيني.
القلق من وضع الصين يدها على شركات استراتيجية أوروبية دعا رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، في سبتمبر الماضي إلى إنشاء إطار على مستوى القارة العجوز لفحص صفقات الاستثمار من قبل الشركات الأجنبية. وفي العام الماضي، أصدر البرلمان الألماني قانوناً يسمح بتدقيق الصفقات على أساس الأمن القومي إذا وصلت حصة المستثمر إلى 25 في المئة. ودعوة يونكر لإنشاء إطار لفحص الصفقات قد تكون عقيمة فعلياً، إذ لا توجد سوى آلية فحص في 12 دولة فقط من الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي فأن الموقف الأوروبي سيكون متناغم بشكل كبير مع الموقف الأمريكي في تصعيد مزدوج تجاه الصين في المفترة القادمة، وربما يكون ملف مواجهة الصين سياسيا واقتصاديا عامل مشترك بين الأوروبيين والولايات المتحدة خاصة في ظل إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية بعد كورونا .
وحدة رصد الأزمات الدولية | ملف العلاقات الأوروبية الصينية
مركز جنيف للدراسات السسياسية والدبلوماسية
Comments