
ناصر زهير / باحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي
تنعقد اليوم قمة مهمة لقادة الدول الأوروبية لمناقشة خطة الإنقاذ الاقتصادي لمواجهة تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد الأوروبي، ولكن الانقسامات الأوروبية يبدو أنها أكبر بكثير من نقاط الاتفاق بين قادة التكتل الأوروبي.
فعلى الرغم من إقرار خطة إنقاذ اقتصادي سابقة بقيمة 500 مليار دولار لإنعاش الاقتصاد الأوروبي، إلا أن الوضع الاقتصادي يتطلب المزيد من الخطوات الاقتصادية المتلاحقة ومزيد من آليات التضامن الأوروبي لمواجهة تأثيرات فيروس كورونا الاقتصادية التي تضاعفت فاتورتها ثلاث مرات منذ بداية الأزمة.
فمنذ أسابيع كانت فاتورة الخسائر الاقتصادية العالمية لتفشي الفيروس حوالي 3 تريليون دولار أما اليوم فإن التقديرات تشير الى أن الخسائر الاقتصادية حول العالم ستتجاوز 9 تريليون دولار، وهذا ما يتطلب من قادة أوروبا مضاعفة جهودهم وإقرار مساعدات مالية مضاعفة.
ولكن الخلافات الأوروبية تحول دون إقرار آليات و حزم إنقاذ اقتصادية سريعة لمواجهة التداعيات السلبية لجائحة كورونا، وعلى غير العادة فإن بعض المصادر من داخل المفوضية الأوروبية أكدت عدم إصدار بيان مشترك بعد انتهاء اجتماعاتهم .
وكتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال المكلف الإشراف على اجتماعات القمة، في الدعوة التي وجهها لرؤساء الدول والحكومات "أقترح الاتفاق على العمل على إنشاء صندوق إنعاش في أسرع وقت ممكن".
ومن المتوقع أن توكل هذه المهمة إلى المفوضية الأوروبية التي سيطلب منها العمل سريعا على هذه المسألة.
إلا أن فيروس كورونا المستجد ضرب مباشرة الاقتصاد. ومن المتوقع بحسب أرقام صندوق النقد الدولي أن يسجل الاتحاد الأوروبي الذي يخضع معظم سكانه للحجر الصحي، تراجعاً بنسبة 7,1% في إجمالي ناتجه الداخلي هذا العام.
وقد تكون الأزمة التي تهدد دول منطقة اليورو الـ19 الأسوأ منذ اعتماد العملة الموحدة عام 1999.
ماهي الخلافات الأساسية بين دول التكتل الأوروبي …
مجمل الخلافات الأوروبية تتمحور حول الخلافات القديمة بين ما يسمى دول الشمال ودول الجنوب، فمن جهة، تطالب دول الجنوب المتضررة بشدة من الوباء مثل إيطاليا وإسبانيا بمزيد من التضامن المالي من جيرانها في الشمال.
وفي المقابل، تتمنع دول الشمال الأقل تأثرا بالوباء وفي طليعتها ألمانيا وهولندا، عن دفع فاتورة دول تأخذ عليها عدم إظهار انضباط مالي خلال سنوات النمو.
ولخص مسؤول أوروبي كبير الأمر بالقول إن "بلدان الجنوب لديها انطباع بأن بعض الدول، وهي أقوى اقتصاديا في الوقت الحاضر، ستستغل هذه الأزمة لتعزز قوتها أكثر. أما دول الشمال فتعتقد أن جيرانها في الجنوب يريدون اغتنام الوباء لينقلوا إليها أعباء الديون التي اقترضوها في الماضي".
وهذه هي المشكلة الأساسية في هذا الانقسام الحاصل وهو شعور كل طرف من الجانبين بأن الطرف الأخر يحاول استغلال الأزمة لصالحه، وهذا ما يظهر الخطأ الكبير في آليات التضامن الأوروبي وعدم اتباع آليات عمل واضحة لمواجهة الأزمات، وأزمة فيروس كورونا هي الأزمة الأكبر التي تواجه الاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه، وبالتالي فإن هذه الخلافات طبيعية نظرا لغياب الأسس الواضحة للتعاون الأوروبي في مواجهة مثل هذه الأزمات ولكن الأهم هو الاتفاق في النهاية .
ولا يتوقع قصر الإليزيه التوصل إلى اتفاق قبل الصيف، وقال مصدر فرنسي لوكالة فرانس برس "يتطلب الأمر اجتماعاً مباشراً وجهاً لوجه بين رؤساء الدول والحكومات، ولسنا في الوقت الحالي قادرين على عقده".
وربما هذا الأمر منطقي بأن مثل هذه القرارات والتغييرات الكبيرة في الاستراتيجيات يتطلب اجتماعات مباشرة بين قادة التكتل الأوروبي ولكن الأهم هو اتخاذ الخطوات السريعة والضرورية لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي ومن ثم تأجيل الاستراتيجيات الأساسية لحين انعقاد قمة مواجهة بين الزعماء الأوروبيين .
المشكلة الأكبر في الخلافات بين الدول الأوروبية هي آلية تشاركية الديون وإدراجها في خطط الإنقاذ الاقتصادية المتوقع اقرارها من قبل المفوضية الأوروبية، وتدعو روما ومدريد وباريس إلى تمويل على شكل ديون مشتركة بأشكال عدة، يشار إليه غالباً باسم "كورونا بوند" أو "سندات كورونا".
وأهمية التشارك في الديون بالنسبة لدول جنوب أوروبا هي أن ذلك يسمح لها بالاستفادة من معدلات الفائدة المتدنية في دول الشمال.
غير أن الدول الأوروبية الأخرى لا ترى ضرورة الى الذهاب لتشاركية في الديون قد تكون عبئ على دافعي الضرائب لديها وترى بأن الحل الأفضل هو الذهاب الى خطط إنقاذ مشتركة تتمثل في صندوق إنعاش يكون مخصص بالأساس للدول الأكثر تضررا من تفشي الفيروس .
في ظل هذه الانقسامات الأوروبية تبدو النية موجودة لدى كل الدول الأوروبية للتعاون والتضامن في مواجهة الأضرار الاقتصادية التي سببها فيروس كورونا ولكن الخلافات تكمن في آليات تنفيذ خطط الإنقاذ الاقتصادي وتقاسم الأعباء والحصص في المبالغ المخصصة للإنعاش الاقتصادي .
ولكن يجب على الدول الأوروبية أن تستشعر الخط القادم في تصدع المنظومة الأوروبية وأن التعاون بدون حدود هو المطلوب بين حكومات أوروبا للخروج من هذه الأزمة وبعدها تغيير الاستراتيجيات في عمل المفوضية الأوروبية بالسرعة القصوى و وضع خطط طوارئ لمواجهة أي أزمات صحية أو اقتصادية أو سياسية قي تواجه الاتحاد الأوروبي في المستقبل .
Comments