
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الأوروبية السودانية
باريس 26 اكتوبر 2021 - تتسارع التحركات الدولية حول الوضع القائم في السودان في محاولة الى حث الجيش على انهاء التحركات الرامية الى الاستيلاء على السلطة كما تصفه المجموعة الدولية، وتحاول القوى العالمية والإقليمية بكافة امكانياتها الضغط على القوى المتصارعة في السودان من أجل العودة الى الوثيقة الدستورية ودعم الاستقرار في البلد الذي خرج حديثا من عزلة دولية امتدت لأكثر من 25 عاماُ .
و قال دبلوماسيون إن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيناقش على الأرجح الوضع في السودان في اجتماع مغلق يوم الثلاثاء بعدما طلبت بريطانيا وأيرلندا والنرويج وأمريكا وإستونيا وفرنسا عقد اجتماع للمجلس.
وبعتبر تحرك مجلس الأمن كمؤشر خطير للغاية على امكانية عودة العقوبات الدولية وتحركات قد تكون أقسى في الفترة القادمة على كافة الأطراف التي تساهم بعدم استقرار السودان كما ترى المجموعة الدولية، وإن كان اجتماع اليوم هو روتيني في إطار الأحداث الدولية المشابهة ولن يتخطى إصدار الدعوات الى العودة الى المسار الذي تم الاتفاق عليه بين القوى المدنية والعسكرية من أجل العودة الى مسار الوثيقة الدستورية .
- تحركات دولية واسعة وتلويح بالعقوبات -
بدأت التحركات الدولية لإدانة الأحداث الأخيرة في السودان والدفع نحو العودة الى المسار الديمقراطي والإفراج عن أعضاء الحكومة برئاسة الحمدون بشكل سريع للغاية، ومن الولايات المتحدة الى فرنسا والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والدول الإقليمية كانت الدعوات متشابهة للغاية من أجل حث جميع الأطراف على العودة الى المسار الذي يدعم الاستقرار ويجنب السودان الفوضى .
ومع تجميد مساعدات أمريكية لدعم الانتقال السياسي في السودان بقيمة 700 مليون دولار لوحت الولايات المتحدة بالعواقب التي يمكن أن تترتب على هذه التحركات العسكرية والتي يمكن أن تقود الى عقوبات أمريكية ودولية واسعة قد تعيد السودان الى الأزمة الكبرى التي تسببت بالتحركات الشعبية التي أطاحت بالبشير .
و ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "بأكبر قدر من الحزم" بمحاولة الانقلاب في السودان ودعا إلى "احترام مكانة رئيس الوزراء والقادة المدنيين".
وشدد على أن "فرنسا تدين بأشد العبارات محاولة الانقلاب في السودان"، مضيفا "أعبر عن دعمنا للحكومة الانتقالية السودانية وأدعو إلى الإفراج الفوري عن رئيس الوزراء والقادة المدنيين واحترام مكانتهم".
من جانبه دعا الاتحاد الأوروبي إلى إعادة العملية الانتقالية في السودان لمسارها الصحيح. وأعرب جوزيب بوريل مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، عبر حسابه على موقع تويتر، عن بالغ القلق إزاء التطورات في السودان. وكتب أن "الاتحاد الأوروبي يدعو جميع أصحاب المصلحة والشركاء الإقليميين إلى إعادة عملية الانتقال إلى مسارها الصحيح".
وفي برلين دانت ألمانيا محاولة الانقلاب التي يشهدها السودان داعية إلى "وقفها فورا"، وجاء في بيان لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس "الأنباء عن محاولة انقلاب جديدة في السودان مقلقة. أدعو جميع المسؤولين عن الأمن والنظام في السودان إلى مواصلة انتقال السودان إلى الديموقراطية واحترام إرادة الشعب. يجب إنهاء محاولة الإطاحة (بالحكومة) على الفور".
- الولايات المتحدة وتحركات متسارعة -
ونددت الولايات المتحدة بالانقلاب العسكري في السودان، وجاء في بيان صادر الاثنين ( أكتوبر/ تشرين الأول 2021) عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن "الولايات المتحدة تدين بشدة ما أقدمت عليه القوات العسكرية السودانية"، وأضاف "نرفض بشدة حل الحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين والمؤسسات المرتبطة بها، وندعو إلى إعادة (العمل بها) على الفور".
من جهته كشف المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس على أن "على ضوء التطورات الأخيرة، تعلّق الولايات المتحدة مساعدتها" المرصودة لدعم الاقتصاد السوداني. وأوضح أن قيمة المساعدات المُعلّقة بقيمة 700 مليون دولار كانت مخصصة لدعم العملية الانتقالية الديموقراطية في السودان. وقال برايس "نحن نعلّق هذا المبلغ كاملا".
كما أكد برايس في ذات الوقت أن "شعب السودان عبّر بوضوح عن تطلّعاته لمواصلة العملية الانتقالية نحو الديموقراطية وسنواصل دعم هذا الأمر، بما في ذلك عبر محاسبة المسؤولين عن هذه الإجراءات المناهضة للديموقراطية إذا اقتضى الأمر".
في وقت سابق، قال مبعوث واشنطن الخاص للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان الذي أجرى زيارة للسودان الأحد، أن التقارير حول "انقلاب" عسكري "مثيرة للقلق" وما حدث "يتعارض مع الإعلان الدستوري (الذي يحدد إطار العملية الانتقالية) وتطلعات الشعب السوداني للديموقراطية".
- قائد الجيش يدفع نحو التهدئة -
في تصريحات تعتبر محاولة للتهدئة نوعا ما قال قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بعد يوم من استيلاء العسكر على السلطة في السودان، إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في منزله، ويواصل حياته الطبيعية، ولم يتعرض لأذى.
وكان البرهان أعلن، الاثنين، الطوارئ وتشكيل حكومة جديدة، وحل مجلس السيادة الذي كان يترأسه والحكومة برئاسة عبدالله حمدوك وغيرها من المؤسسات التي كان يفترض أن تؤمن مسارا ديمقراطيا نحو الانتخابات والحكم المدني.
وندد مكتب حمدوك وتجمعات مطالبة بتسليم السلطة إلى المدنيين ودول ومنظمات دولية بـ"الانقلاب" الذي اعتقل خلاله عسكريون حمدوك ومعظم وزرائه والأعضاء المدنيين في مجلس السيادة.
وأوضح البرهان أنه دعم المبادرة الأخيرة لحمدوك، لكنه تم تم اختطافها من جانب مجموعة صغيرة، على حد قوله.
وتابع: "لم نقم بانقلاب، بل نحاول تصحيح مسار الانتقال".
وهنا يجب أن نترقب الخطوة التالي من القائمين على المؤسسة العسكرية وإذا ما كانت التحركات الدولية ستنجح في ثني الأطراف العسكرية عن التحركات التي يمكن أن تطيح بكافة الجهود التي تم بذلها خلال العامين الماضيين .
- امكانية الوساطة الدولية والإقليمية -
في ظل الأوضاع المعقدة في السودان والنفق المسدود التي وصلت اليه العلاقات بين الشريكين العسكري والمدني لا يبدو بأن هناك أي امكانية للتراجع خطوة للخلف وهنا يجب أن تكون هناك تحركات إقليمية ودولية من أجل قيادة محادثات بين الجانين تقود الى حل وسط بين جميع الأطراف وينهي حالة الاستعصاء التي كانت قائمة في السودان .
ويتحتم على الجانبين العسكري والمدني القبول بخطوات كبرى للوصول الى حلول نهائية تجنب السودان حالة الفوضى وحالة العزلة الدولية التي يمكن أن تعود في حال إعادة فرض العقوبات مهما كانت الأسباب .
ويجب على المدنيين والعسكريين أن يقبلوا بأمر واقع في السودان وهو حتمية التشاركية بين الجانبين في قيادة هذه المرحلة على الأقل في السنوات الخمس القادمة، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يقصي أحد الأطراف الأخر في القيادة المشتركة للأوضاع في السودان مهما كانت التوجهات .
ويجب على القوى المتصارعة أن تكون حذرة للغاية لأن حالة الفوضى وانعدام الأفق قد تقود الى تبعات كارثية فمشكلة دارفور وشرق السودان لم تحل بعد وبالتالي حالة أخرى من الفوضى حاول الجميع انهائها باتفاقات السلام الأخيرة التي قد تنهار بلحظات .
وعلى جميع القوى العسكرية والمدنية في السودان أن تحذر جيدا من إعادة فرض العقوبات الدولية وتردي الأوضاع الاقتصادية التي هي أصلا في وضع صعب للغاية، لأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة ستقود الى تحركات شعبية جديدة تطيح بكافة القيادات الحالية العسكرية والمدنية كما فعلت سابقا مع الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير فالتحركات الماضية لم تكن للمطالبة بالديمقراطية أو الحرية بل كان محركها الاقتصاد ثم الاقتصاد الى أن قادت الى تحركات شعبية موسعة .
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الأوروبية السودانية
مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية
Comments