
الملف الفرنسي | الانتخابات الإقليمية الفرنسية
باريس 27 يونيو 2021 - يتوجه الفرنسيون إلى التصويت اليوم الأحد في دورة ثانية من انتخابات المناطق بعد دورة أولى اتسمت بنسبة امتناع قياسية وتراجع كبير للغالبية التي يقودها إيمانويل ماكرون، ولم تكن نتائج اليمين المتطرف أقل سوءا من نتائج حزب الجمهورية الى الأمام الذي يقوده ماكرون حيث خالفت النتائج استطلاعات الرأي التي كانت تشير الى تقدم حزب التجمع الوطني " يمين متطرف " بقيادة مارين لوبان في مؤشر حول مزاج الناخبين الفرنسيين قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل .
وكان الحزب الجمهوري " يمين الوسط " هو أكثر المستفيدين من نتائج الجولة الأولى حيث حل في المرتبة الأولى، وهذا المؤشر قد يعطي بارقة أمل بأن الأحزاب التقليدية الفرنسية الكلاسيكية " الجمهوريين والاشتراكيين " قد يعودون الى المشهد السياسي بشكل أو بأخر خلال الفترة القادمة وإذا ما كانت نتائج الانتخابات الإقليمية جيدة لهذه الأحزاب فإنها قد تستجمع قواها بين اليمين واليسار لتقديم مرشح رئاسي يكون قادرا على المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة بدلا من انحصار المنافسة بين الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان .
ولكن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الإقليمية لا تعطي مقياس نهائي حول مزاج الفرنسيين خاصة وأن الدورة الأولى شهدت غياب 2 من كل ثلاثة ناخبين فرنسيين عن التصويت مما شكل نسبة عزوف غير مسبوقة في مثل هذه الانتخابات.
ومن المتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الجولة الثانية من هذه الانتخابات أكبر من الدورة الأولى بعد الدعوات والحشد التي قام بها السياسيون الفرنسيون وأبرزهم زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، وإذا ما كانت نسبة المشاركة أكثر من 50 ٪ فهذا سيعتبر مؤشر جيد لقياس المزاج العام للناخبين الفرنسيين ومن خو الحزب الذي سيحدث المكسب الأكبر .
- خارطة الأحزاب السياسية الفرنسية في هذه الانتخابات -
وقد تكون الأحزاب "التقليدية" التي ضعف وجودها في المشهد الإعلامي في السنوات الأخيرة وهزها الانتخاب المفاجئ للوسطي إيمانويل ماكرون الذي انتزع ناخبي اليمين واليسار على حد سواء في الاقتراع الرئاسي في 2017، صاحبة الحظ الأكبر في تحقيق اختراق مهم في هذه الانتخابات .
ويبدو اليمين في وضع جيد للاحتفاظ بالمناطق الست التي يحكمها حاليا وإن كان يرجح أن تكون المنافسة حادة في إيل-دو-فرانس (منطقة باريس) أو بروفانس-ألب كوت دازور.
في المقابل، يفترض أن تسمح تحالفات بين دعاة حماية البيئة والاشتراكيين وحزب فرنسا المتمردة (أقصى اليسار) لليسار بالفوز في عدد من المناطق.
لكن هذه العودة للانقسام بين اليسار واليمين يجب تحليلها بحذر ولا شيء يوحي بأن المنافسة التي تتوقعها كل معاهد استطلاعات الرأي، بين ماكرون وزعيمة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية لعام 2022 أصبحت موضع شك.
- عودة المزاج الفرنسي نحو الكلاسيكية الحزبية بين الجمهوريين والاشتراكيين -
قد لا تعكس النتائج الأولية لهذه الانتخابات التوجه الحقيقي للناخبين الفرنسيين في الانتخابات الرئاسية في العام القادم 2022، ولكنها تعطي بعض المؤشرات حول رغبة الفرنسيين في العودة الى الكلاسيكية التقليدية في اختيار الأحزاب الحاكمة بين الجمهوريين من اليمين والاشتراكيين من اليسار، فهذا التنافس الذي امتد الى عقود بين أكبر حزبين سياسيين في البلاد انهار في العشر سنوات الأخيرة مع انهيار المنظومة القيادية داخل هذه الأحزاب وغياب الشخصيات القيادية التي تحمل مشاريع سياسية واقتصادية تستطيع اقناع الفرنسيين بالتصويت لهم .
وكان حزب الجمهورية الى الأمام والرئيس الحالي ايمانويل ماكرون أكثر المستفيدين من هذا الانهيار البنيوي في الأحزاب الفرنسية والذي قاد الى وصول ماكرون الى الرئاسية وفوزه في انتخابات عام 2017 بعد أن نافس مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في الجولة الثانية، وهو ما شكل ضربة قاضية أدت الى تراجع الجمهوريين والاشتراكيين في الحياة السياسية الفرنسية
وفي الإطار نفسه انحصرت المنافسة السياسية وفق استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية المقبلة بين حزب الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون وحزب اليمين المتطرف التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان وفق بعض الاستطلاعات التي أشارت الى امكانية فوز لوبان في هذه الانتخابات .
وتعكس سياسات الرئيس الحالي ماكرون الداخلية بما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي والقوانين الداخلية التي تم تعديلها وأهمها قانون التقاعد الى أزمة السترات الصفراء وغيرها من الأزمات الداخلية، تعكس غضب في الشارع الفرنسي من السياسات والأخطاء الكبرى التي تم ارتكابها من قبل ماكرون وحزبه وفق رأي نسبة كبيرة من الناخبين الفرنسيين، وبالتالي فأن الخيار قد يكون بالتصويت الى اليمين المتطرف ومرشحته مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة .
ولكن النتائج الأولية لانتخابات الأقاليم قد تدفع الفرنسيين لإعادة حساباتهم أو أن نسبة كبيرة منهم قد فعلت ذلك بالفعل واتخذت القرار الصعب " وهو العودة الى الكلاسيكية السياسية الفرنسية التقليدية بين الجمهوريين والفرنسيين "، وهذا المؤشر رغم أنه ضعيف للغاية ولكنه قد يكون بداية لتغيير في توجهات الناخبين الفرنسيين في العام المقبل.
فالمغامرة بدعم لوبان وحزبها للوصول الى الرئاسة بسبب الغضب من سياسات ماكرون وحكومته سيكون كارثيا على البلاد بسبب السياسات الداخلية والخارجية التي يحملها حزب لوبان والتي قد تؤدي الى أزمات غير مسبوقة في الداخل والخارج بالنسبة لفرنسا التي تعاني من تبعات جائحة كورونا المدمرة اقتصاديا .
كما أن اليمين المتطرف ومرشحته لم يقدموا أي غرامة اقتصادية حقيقية وقوية قد تستطيع اقناع الفرنسيين بانتخابهم خاصة وأن الاقتصاد هو الأهم في الوقت الحالي بالنسبة للناخب الفرنسي عدا الناخبين التقليديين لليمين المتطرف الذين لا يعطون هذه الحسابات أهمية .
وبالتالي فإن الخيار قد يكون بالعودة لدعم مرشح أحد الحزبين الجمهوريين أو الاشتراكيين إذا ما استطاعوا حشد قواهم السياسية وتقديم مرشح قوي يستطيع مواجهة ماكرون لوبان، وحتى لو كان هذا الأمر صعب للغاية في الوقت الحالي نظرا لضعف الحزبين الحالي فأن حشد قواهم في الانتخابات الرئاسية القادمة وتقديم مرشحين مقنعين سيساهم على أقل تقدير بقسم اليمين واضعاف توجهات أقصى اليمين المتطرف بقيادة لوبان، وفي هذه الحالة حتى لو فاز الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون بجولة ثانية فإن الفرصة ستكون مناسبة لإعادة بناء الحزبين بقوة أكبر امكنهم من العودة والفوز بالانتخابات الرئاسية التي تليها في 2027، ولكن فوز اليمين المتطرف بقيادة لوبان بشكل أو بأخر سيقلب الحياة السياسية في فرنسا الى درجة يصبح فيها الجميع خاسرين من الجمهوريين الى الاشتراكيين والخضر والجمهورية الى الأمام .
وتبقى نتائج الجولة الثانية اليوم هي الفاصلة في توجهات الناخبين الفرنسيين ولكن أي نتائج بخلاف التي حدثت في الجولة الأولى لن تغير في انعكاس الرغبة لدى شريحة كبيرة من الناخبين الفرنسيين بالعودة الى الكلاسيكية السياسية بين اليمين واليسار "الجمهوريين والاشتراكيين " .
الملف الفرنسي | الانتخابات الإقليمية الفرنسية
مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية
Comments