
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية الأفريقية
باريس 21 أبريل 2021 - يمثل مقتل الرئيس التشادي ادريس ديبي تحدي كبير للدور الفرنسي في تشاد وأفريقيا بالعموم، نظرا للدور الكبير الذي كان يلعبه الرئيس التشادي في دعم الدور الفرنسي في مواجهة تصاعد الجماعات الجهادية المسلحة في الساحل الأفريقي كما قالت باريس في بيان قصر الإليزيه الذي نعى الرئيس الراحل ديبي .
ومع تولي مجلس عسكري انتقالي بقيادة ابنه محمد ديبي للسلطة في تشاد بدأت التحديات تبرز أمام الدور الفرنسي الذي يجب أن يكون مطلعا في ضمان انتقال سلس للسلطة ولكن بدون ضرب أسس الدساتير كما تحدث بيان الإليزيه وهذا ما لم يتحقق عبر تعطيل الدستور وحل الحكومة والبرلمان التشادي، ومع اعتبار بأن تشاد تعيش مرحلة غير مستقرة وتشهد مواجهات عسكرية كبرى بين المعارضة والنظام الحاكم في تشاد، يمكن هنا تفهم تشكيل مجلس عيكري خوفا من انقسام الجيش وبدء الصراعات الداخلية في السلطة الحاكمة التي قد تؤدي الى حرب أهلية غير محسوبة النتائج .
وقال الجيش إن المجلس العسكري الانتقالي سيدير شؤون البلاد لمدة 18 شهرا، "ويضمن وحدتها واستقرارها"، وأضاف أن المجلس سيعلن ميثاقا بشأن حل البرلمان والحكومة، كما دعا في الوقت نفسه "جميع التشاديين في الداخل والخارج إلى الحوار"، وقال إنه سيعمل على تشكيل حكومة ومؤسسات انتقالية تشرف على تنظيم انتخابات.
ـ فرنسا والاتهامات بدعم الدكتاتوريات الأفريقية ..
دائما ما كانت فرنسا تتهم بأنها تدعم الدكتاتوريات الحاكمة في بعض الدول الأفريقية من أجل مصالحها الخاصة في مستعمراتها السابقة، وكانت أبرز هذه الاتهامات تتعلق بالرئيس التشادي الراحل " إدريس ديبي " الذي تولى السلطة لثلاثين عاما فاز في 6 انتخابات مشكوك في أمرها كما تقول المعارضة التشادية، وكانت فرنسا من أكبر الداعمين لصديقها ديبي وحالت دون سقوط العاصمة بنجامينا في أكثر من مناسبة عام 2008 و 2019 .
ومع تنامي الدور الصيني والأمريكي المنافس للدور الفرنسي المتراجع في أفريقيا يجب على باريس التحرك سريعا من أجل تغيير النمطية للسياسة الفرنسية التي تتهم بأنها تبحث عن مصالحها في أفريقيا فقط بدون مراعاة مصالح شعوب المنطقة، وتمثل فرصة إدارة بوصلة الانتقال للسلطة في تشاد فرصة لاختبار هذه السياسة الفرنسية الجديدة إذا ما تقرر القيام بها .
ـ النموذج السوداني وفرص كبرى في دعم ديمقراطيات متوازنة ..
تبرز فرصة كبرى بالنسبة لفرنسا في حل الخلافات الداخلية بين القوى المتصارعة في تشاد ودعم انتقال سياسي سلس للسلطة مبني على النموذج السوداني الذي يضمن سيطرة للعسكريين والمدنيين في تقاسم للسلطة عبر مجلس سيادي عسكري وسياسي، ولا يمكن إغفال دور الجيش القوي في تشاد الذي يمتلك مفاصيل كثير من الأمور في تشاد بالإضافة الى دور قوى المعارضة التي وصلت الى أبواب العاصمة بنجامينا في أكثر من مناسبة ولذلك يجب الموازنة بين جميع القوى في تشاد من أجل ضمان الاستقرار في هذه المنطقة المهمة في الساحل الأفريقي .
ولا توجد مشكلة أساسية من قبل فرنسا مع جزء من قوى المعارضة التي لا صلة لها بالإرهاب أو التي هدفها زعزعة الاستقرار، فالمصالح الفرنسية في تشاد لا يمكن المساس بها في هذا التوقيت ويمكن الوصول الى آلية مرضية لجميع الأطراف تضمن سيطرة جزئية للمجلس العسكري الذي تم تشكيله مع سلطة مدنية سياسية من قبل القوى السياسية المتصارعة في تشاد والتي يمكن أن تصل الى صيغة توافقية بدعم من الدور الأفريقي والفرنسي في رعاية أي مفاوضات قادمة .
ومع مراعاة الاختلافات في تعقيدات الصراع بين الحالة السودانية والحالة التشادية ولكن يمكن اعتبار بأن تعقيدات الوضع التي كانت قائمة في السودان ليست أكبر من التعقيدات في تشاد الأن وبالتالي يمكن الوصول الى صيغ توافقية مهما كانت الخلافات كبرى بين القوى السياسية والعسكرية في تشاد .
ولا يمكن لفرنسا أن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه أي انفلات يمكن أن يحدث في تشاد ويقود الى حرب أهلية مستعرة قد تضرب استقرار دول مهمة في الساحل الأفريقي وبالنظر الى ما حدث في مالي قبل أشهر والأن في تشاد فيجب إعادة ضبط البوصلة للسياسات الفرنسية حتى تكون أكثر مرونة وتماشيا مع التطورات في القارة الأفريقية .
وفي هذا الإطار يجب على باريس أن تتحرك بشكل مختلف هذه المرة عن السياسات الفرنسية التقليدية التي كانت متبعة في أفريقيا، فباريس لم تعد اللاعب الدولي الوحيد والمتحكم في مفاصل القارة الأفريقية
ـ تشاد والمصالح الفرنسية في الساحل الأفريقي ..
تعتبر تشاد دولة مهمة جدا لفرنسا في إدارة مصالحها التقليدية في أفريقيا بالإضافة الى الجهود الفرنسية بما يتعلق بمعملية بارخان ومكافحة الجماعات الجهادية في الساحل الأفريقي، وطالما كانت تشاد ورئيسها ادريس ديبي حليفة لباريس في كل الملفات التي قادتها فرنسا في القارة الأفريقية، وربما يشكل مقتله في هذه المرحلة الحساسة من تنامي دور الجماعات الجهادية المسلحة في الساحل الأفريقي .
وتعتمد فرنسا في منطقة الساحل الملتهب على "دركي" أفريقيا الصغير" تشاد " ، التي انتشرت قواتها في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى، والتي دفعت ثمناً قاسياً للتدخل في دول أفريقية، تمثّل في سقوط العشرات من جنودها في مناطق مختلفة، في أفريقيا الوسطى ومالي، وإن كان رئيسها في ذلك الوقت ادريس ديبي لا يعير أهمية للخسائر البشرية.
ويكتسي التعاون العسكري الفرنسي مع دولة تشاد أهمية قصوى، وهو ما يجعله يضاهي في أهميته دور جيبوتي والسنغال وساحل العاج. فهذا البلد الذي ساهم الجيش الفرنسي بقوة في حماية رئيسه من عدة محاولات انقلاب، والذي تساعد فرنسا اقتصاده الضعيف، يَدين لفرنسا بالكثير، وهو ما يدفعه لتلبية كل الطلبات الفرنسية في القارة الأفريقية، إلى درجة أنه تحول إلى "دركي" أفريقي محلي يعاضد فرنسا في دورها، أيضاً، كدركيّ لأفريقيا.
وبالنظر الى الأهمية الكبرى لتشاد بالنسبة لفرنسا في إدارة مصالحها في أفريقيا وأيضا عملياتها العسكرية في دول الساحل الأفريقي ومع التحديات الكبرى التي تبرز بين القوى العالمية للدخول الى القارة الأفريقية سياسياُ واقتصاديا وخصوصا الصين الذي أصبح دورها كبيرا في أفريقيا وأمريكا التي تتحضر للمنافسة، فيجب على باريس إعادة حساباتها في مستعمراتها السابقة .
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية الأفريقية
مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية
Comments