
وحدة الاقتصاد السياسي | ملف السودان
باريس 17 مايو 2021 - ينطلق اليوم الاثنين بالعاصمة الفرنسية مؤتمر باريس لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، الذي تنظمه وتستضيفه الحكومة الفرنسية، بمشاركة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك،إلى جانب عدد من رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية، فيما قال مسؤول سعودي سيشارك مباشرة في محادثات إعادة هيكلة ديون السودان: إن المملكة ستضغط من أجل اتفاق واسع لخفض ديون الخرطوم التي تتجاوز 50 مليار دولار.
ويشارك في المؤتمر كل من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان. ووزيرة الخارجية مريم المهدي.
ووفق وكالة الأنباء الفرنسية، ستشارك في المؤتمر 40 دولة وممثلون من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ورجال الأعمال وعدد كبير من المنظمات الدولية والعربية والأفريقية.
ويهدف المؤتمر إلى «الانخراط الكامل للسودان في المجتمع الدولي وتنوير المستثمرين الأجانب والقطاع الخاص والمصرفيين بالإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها حكومة السودان، وإبراز فرص الاستثمار في القطاعين العام والخاص».
حمدوك قبيل مغادرته: «مؤتمر باريس يهدف لتأكيد عودة السودان القوية والمستحقة للمجتمع الدولي. ونحن ذاهبون إلى باريس لكي نوفر للمستثمرين الأجانب فرص الاستثمار في السودان».
وأضاف «قبل وصولنا باريس توافقنا على معالجة ديون البنك الدولي وديون بنك التنمية الأفريقي، وفي باريس سنتوافق على معالجة ديون صندوق النقد الدولي، وبالتالي سنبدأ عملية إعفاء الديون، لأن السودان وبشهادة صندوق النقد سيكون تأهل تماماً ليستفيد من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون».
ولفت إلى أن «مشاركة السودان في مؤتمر باريس ليس لجمع المنح والتبرعات، وإنما لتأكيد عودة البلاد القوية والمستحقة للمجتمع الدولي».
وقالت وزيرة الخارجية السودانية الدكتورة مريم الصادق إن المؤتمر سيسهم في تقديم السودان للمجتمع الدولي بشكل جديد، بالإضافة إلى توقعات بإعفاء جزء كبير من ديون السودان لدى صندوق النقد الدولي، وكذلك والتعامل مع مؤسسات التمويل العالمية.
,من المتوقع جمع أكثر من 1.4 مليار دولار لدفع ديون السودان لصندوق النقد الدولي.
- فرص استثمارية كبرى واعفاء للديون -
يمتلك المؤتمر أهمية كبيرة للسودان في وقت حساس للغاية ليس فقط على مسار إعادة السودان الى المسار الدولي وتقديم القروض والاعضاء من الديون من أجل مساعدة الحكومة السودانية في بناء مستقبل جديد للسودان، بل أيضا من ناحية الاستثمارات الضخمة التي يمكن أن تستفيد منها الدول في البلد الذي بقي بعيدا عن تطورات الاقتصاد العالمي لأكثر من 30 عاماً بسبب العقوبات والسياسات القديمة .
ويهدف مؤتمر باريس إلى عرض الفرص الاستثمارية التي يمتلكها السودان في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والطاقة والتعدين والبنى التحتية والموانئ، بالإضافة إلى الاتصالات والتحوّل الرقمي.
ويعتبر مؤتمر باريس لدعم السودان هو المحفل الدولي الأهم لتقديم السودان بصورة جديدة للعالم بعد التغييرات الجذرية التي أجرتها الحكومة السودانية الانتقالية فيما يتعلق بالسياسات الخارجية والسياسات الاقتصادية .
- الدور الفرنسي الجديد في السودان وتغيير في الاستراتيجية الأفريقية للإليزيه -
تحاول فرنسا أن تبدأ باستراتيجية جديدة في افريقيا وتغيير استراتيجيتها التقليدية التي أثبتت بأنها باتت غير فعالة في أكثر من مناسبة سواء في مالي أو تشاد، وبالتالي فإن فرنسا تسعى ليكون لها دور مع دول أفريقيا المفيدة وذات التأثير الاستراتيجي بعيد المدى كما السودان ومصر، وهذا ما يفسر قوة العلاقات الفرنسية المصرية في أخر 3 أعوام بالإضافة الى الدور الفرنسي البارز في السودان بعد تغيير النظام السابق .
كما تحاول فرنسا بأن يكون لها النصيب الأكبر في الفرص الاستثمارية الكبرى التي ستكون في السودان في السنوات القادمة وهي نقطة مهمة لباريس من حيث قوة التحالف السياسي والاقتصادي مع السودان، ولكن باريس تعرف جيدا بأنها يجب أن تعمل كثيرا من أجل السودان قبل أن تبدأ بالحصول على تلك الفرص الاستثمارية الكبرى التي يمتلكها الاقتصاد السوداني، ويجب على فرنسا أن تعمل على أكثر من مسار وفي اتجاهات مختلفة سواء بما يخص مساعدة السودان في القروض والإعفاء من الديون بالإضافة الى تأمين المساعدة من صندوق النقد الدولي والعمل على اعفاء السودان من جزء كبير من ديونه التي تبلغ حوالي 60 مليار دولار .
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لومير اليوم الاثنين إن فرنسا ستمنح السودان قرضا تجسيريا بقيمة 1.5 مليار دولار لتسوية متأخرات لصندوق النقد الدولي
وقال لومير في مؤتمر بباريس "سيؤكد الرئيس ماكرون في وقت لاحق اليوم أن فرنسا ستقدم قرضا تجسيريا بقيمة 1.5 مليار دولار لسداد متأخرات السودان المستحقة لصندوق النقد الدولي"
والقرض التجسيري هو عبارة عن قرض مؤقت يوفر تمويلاً مؤقتاً عندما يحتاج المقترض إلى زمن إضافي للحصول على التمويل الدائم حيث يسمح هذا النوع من التمويل للمقترض بتلبية الإلتزامات الحالية بتوفير التدفق النقدي، وتعمل هذه القروض على "تجسير الفجوة" الزمنية المقترنة بالحاجة إلى التمويل .
وهذه خطوة مهمة باريس في سبيل مساعدة السودان ولكنها لا تكفي في الوقت الحالي بل تحتاج الى جهد أكبر من قبل المجتمعين في المؤتمر من أجل تأمين الدعم الاقتصادي للسودان، كما يجب أن يتم العمل على تطبيق اعفاء السودان من القسم الأكبر خاصة أن شروط اعفاء الدول المثقلة بالديون تنطبق على السودان .
- بوابة عبور للسودان الجديد الى حاضنة الأسرة الدولية -
يعتبر المؤتمر أيضا بوابة مهمة لعبور السودان الجديد الى حاضنة الأسرة الدولية بعد أن بقي بعيدا عنها لسنوات طويلة بسبب الاتهامات بدعم الإرهاب وتطبيق عقوبات سياسية و اقتصادية خانقة أبقت البلد الأفريقي المهم بعيدا عن حاضنة الأسرة الدولية لأكثر من عقدين من الزمن .
وقال السيد عمر قمر الدين مستشار الرئيس السوداني للشراكة الدولية لوسائل إعلام فرنسية: إن لديه ثقة بأن المؤتمر سيكون هذه البوابة لعدة أسباب واعتبارات منها أن السودان تخلص فعلا من العزلتين الإقليمية والدولية اللتين كانتا تكبلانه. كما استطاع السودان "بوجهه الجديد" الخروج من قائمة البلدان المتهمة بمساندة الإرهاب.
وإذا كان السودان الجديد يرغب في إعفائه من ديونه التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار، فإن هناك اليوم قناعة لدى دول " نادي باريس " أكبر دائني هذا البلد ولدى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بأن هذه الرغبة في محلها لأن السودان غير قادر على الانخراط في العملية التنموية وهو مثقل بالديون - انتهى التصريح - .
وإن كان الوقت لا يزال باكرا على بدء الصراعات الدولية على المصالح السياسية والاقتصادية في السودان إلا أن باريس تحاول اتخاذ خطوات استباقية في إطار مساعدة الحكومة الانتقالية وبناء جسور قوية للعلاقات بين الجانبين، بالإضافة الى تعزيز التوجه الجديد للاستراتيجية الجديدة في أفريقيا التي تعتمد على تغيير السياسات التقليدية لباريس في القارة الأفريقية وضرورة التعاطي مع مع التغيرات السياسية في أفريقيا بمرونة أكبر تضمن أكبر قدر من المصالح للجانبين .
- مسار صعب وضرورة تكثيف الجهود -
على الرغم من الجهود الفرنسية والدولية في مؤتمر اليوم ومحاولة تقديم أكبر دعم سياسي واقتصادي ممكن للسودان الجديد خصوصا من قبل فرنسا إلا أن الصورة ليست وردية وهناك الكثير من الصعوبات ستواجه المجتمعين في تحقيق أهدافهم .
ومن هذه الصعوبات إقناع الدول الدائنة للسودان بضرورة تقديم الاعفاءات من الديون لأن السودان الجديد لا يمكن أن يسير في الاتجاه الصحيح وهو مثقل في الديون، كما تكمن النقطة الثانية في تأمين الدعم السياسي الدولي المؤثر وهذا ما يجب أن تنجح به باريس لأن تجربة فرنسا في مؤتمر المانحين في لبنان لم تكن مثمرة بالمطلق على الرغم من الاختلافات بين الحالتين السودانية واللبنانية ولكن أيضا يجب أن تمتلك باريس قدر أكبر من التأثير السياسي الدولي لتأمين مصالحها ومصالح السودان .
كما أن دخول واشنطن بقوة في المعادلة الجديدة سيفرض صعوبات على توجهات المصالح الفرنسية في السودان، ولا شك بأن واشنطن ستعمل على الحصول على القدر الأكبر من المصالح والفرص الاستثمارية في البلد الأفريقي المهم ولكن هذا سيعتمد أيضا على التوجهات والأبعاد الاستراتيجية للسياسة الأمريكية في أفريقيا ،
ولا يمكن هنا إغفال الدور الكبير الذي تمارسه الصين في أفريقيا والسياسات الاقتصادية التي بدأت تربط معظم الدول الأفريقية مع بكين وهذا ما تحاول مواجهته كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وفرنسا .
ولكن في المطلق فإن السودان سيكون مستفيد بشكل كبير من هذا الزخم السياسي والاقتصادي للدول الكبرى نحو أفريقيا خاصة وأن السودان على الرغم من كل الصعوبات التي تواجهه إلا أنه يمتلك فرص استثمارية كبرى " على المدى الطويل " تدفع نحو تعزيز الشراكات الدولية مع السودان .
كما أن تعزيز الشراكة السياسية سيكون ملف مهم في اللقاءات بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمسؤولين السودانيين، وتعتبر هذه الشراكة مهمة جدا لباريس إذا ما أرادت أن تكون ناجحة في الاستراتيجية الجديدة نحو أفريقيا .
وحدة الأزمات الدولية | الملف النووي الإيراني
مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية
Comments