
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية العراقية
باريس 28 أغسطس 2021 - ينطلق اليوم في بغداد المؤتمر الإقليمي حول العراق يشارك في أعماله التي سيطغى فيها الوضع في أفغانستان على الأرجح، قادة عدد من دول المنطقة بينها إيران والسعودية والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي .
ويعتبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هو الرئيس الأجنبي الوحيد الذي يشارك في المؤتمر وهي خطوة قد تعزز دور فرنسا في العراق ومنطقة الشرق الأوسط لتقود بعدها نحو دور أوروبي فاعل ومهم في هذه المنطقة بالتزامن مع التخوفات من انسحاب أمريكي نهائي من العراق على غرار ما حدث في أفغانستان .
ويفترض أن تهيمن على محادثات مؤتمر "التعاون والشراكة" التطورات المتسارعة في أفغانستان مع بروز تنظيم الدولة الإسلامية الذي تمّ دحره في العراق في 2017 وفي سوريا في 2018 بدعم من تحالف دولي بقيادة أميركية.
وقال الكاظمي في مؤتمر صحافي مشترك مع ماكرون إن "فرنسا ساهمت في دعم العراق في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية"، مضيفاً أن "العراق وفرنسا شريكان أساسيان في الحرب ضد الإرهاب".
من جهته أكد ماكرون في زيارته الثانية للعراق خلال أقل من عام "نعلم جميعاً أنه لا ينبغي التراخي لأن تنظيم الدولة الاسلامية لا يزال يشكل تهديداً، وأنا أعلم أن قتال تلك المجموعات الإرهابية يشكل أولوية لحكومتكم".
وتظهر تلك "الحوادث"، بحسب محيط الرئيس الفرنسي، أن "دعم العملية السياسية الجارية في العراق وإشراك الجيران فيها، أمر ملح أكثر من أي يوم مضى، لأنه من غير عراق مستقر ومزدهر، لن تكون هناك حلول للتهديدات الأمنية في المنطقة".
ويعتبر المؤتمر فرصة كبيرة لكسر الجليد بين البلدان المشاركة التي تشهد توترات ثنائية بالإضافة الى التنسيق المحتمل في دعم استقرار العراق والمنطقة وهو أمر صعب للغاية في ظل الفوضى المتوقعة بعد انسحاب الولايات المتحدة والصراع الإقليمي بين سيطرة إيران على القرار العراقي بشكل كامل أو تحجيم الدور الإيراني بشكل محدود .
- الدور الفرنسي في العراق والشرق الأوسط -
تعتبر مشاركة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مؤشر مهم على توجه البوصلة الفرنسية نحو دور أكبر في العراق والشرق الأوسط بالتزامن مع انسحاب أمريكي تدريجي من المنطقة وإن كان الدور الأمريكي سيبقى حاضرا بأساليب أخرى .
وكانت الزيارات المكثفة بين المسؤولين العراقيين والفرنسيين بين باريس وبغداد في الفترة الماضية مؤشر مهم على التوجه الفرنسي والحاجة العراقية لهذا الدور الذي سيجر معه دور أوروبي محوري في إطار الدعم السياسي والاقتصادي للعراق.
ولكن مشكلة فرنسا بأنها تصطدم بوضع مشابه للبنان الذي فشلت في فرض عملية الاستقرار وتنفيذ المبادرة الفرنسية على الرغم من قرب انهيار الاقتصاد اللبناني، ومن هنا تبدأ التحديات بشكل أكبر أمام فرنسا والرئيس ماكرون في إثبات فاعلية الدور الفرنسي في الفترة القادمة في الشرق الأوسط .
وقال مستشار في قصر الإليزيه إن ماكرون يريد أن يثبت أن فرنسا لا تزال تحتفظ بدور في المنطقة وتواصل مكافحة الإرهاب، وتدعم جهود العراق "هذا البلد المحوري (...) والأساسي، في تحقيق استقرار الشرق الأوسط".
كما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، أن مؤتمر بغداد مهم لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وأشار إلى أن بلاده خصصت ميزانية لدعم المناطق المحررة في العراق.
وهناك عدة محاور تحدد مسار الدور الفرنسي في العراق ابتداء من ضمان محاربة الإرهاب وعدم عودة تنظيم داعش للظهور من جديد، تباعا نحو دور سياسي داعم لاستقرار العراق خاصة وأن باريس تتمتع بعلاقات جيدة مع معظم الأطراف الإقليمية التي تصطدم في العراق، انتهاء بدور اقتصادي فاعل بدأت عناوينه بالتبلور مع اتفاقات شركة توتال الفرنسية العملاقة للتوجه نحو العراق .
ولا يمكن للدور الفرنسي النجاح في العراق بدون دعم أوروبي كامل من قبل دول فاعلة اقتصاديا مثل ألمانيا وهولندا والنمسا، وهذا ما سيتحدد بناء على مؤشرات بدايات الدور الفرنسي ونسبة نجاحه ف ملئ الفراغ الأمريكي من عدمه .
- الدور الفرنسي في العراق بين الإيجابيات والتحديات -
بالتزامن مع مسار توجه باريس نحو دور فاعل بشكل أكبر في العراق ومنطقة الشرق الأوسط تبرز العديد من التحديات والسلبيات في مواجهة هذا الدور الفرنسي المتوقع، ولا يمكن لباريس أن تعتقد بأن الزيارات الدبلوماسية والمحادثات والمؤتمرات ستعطي دور فاعل على الأرض إذا لم تتحرك وفق الضرورات السياسية والاقتصادية والعسكرية في العراق خاصة مع تراجع الدور الأمريكي المتوقع في المنطقة في الفترة القادمة .
وإذا ما انسحبت الولايات المتحدة بسيناريو مشابه لأفغانستان فإن الوضع سيكون فوضوي للغاية في العراق وهنا يجب على فرنسا أن تواجه دور إيراني متنامي في العراق ومسيطر على القرار السياسي والعسكري بنسبة كبيرة، ولا يمكن لماكرون أن يراهن على أن فرنسا والأوروبيون يستطيعون ترويض الدور الإيراني في العراق حتى لو نجحت المفاوضات النووية في فيينا فإن مسارات التوجهات الإيرانية في العراق لا تتقاطع بأي شكل من الأشكال مع توجهات الدور الفرنسي والأوروبي .
ومع فشل فعالية المبادرة الفرنسية في لبنان الى حد هذه اللحظة فإن العراق سيكون الامتحان الثاني لفرنسا والرئيس ماكرون لإثبات بأن الدولة باريس تستطيع لعب دور إقليمي مهم في الشرق الأوسط، وإذا ما فشلت فرنسا في أي فاعلية في العراق فإن الثقة فيها ستكون معدومة من قبل دول المنطقة والقوى الإقليمية في أي إطار دعم سياسي واقتصادي وعسكري في المستقبل القريب .
وتعتبر مواجهة الدور الإيراني والهيمنة على القرار السياسي العراقي التي تريدها إيران بالإضافة الى الميليشيات العسكرية التابعة لها هي الأهم بالنسبة لفرنسا والدول الإقليمية في دعم العراق، لتأتي بعدها تحديات عودة التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش للعمل من جديد بالتزامن مع أي فوضى أو انهيار للاستقرار في العراق .
وتحتاج فرنسا للتنسيق مع الدول الإقليمية في المنطقة لدعم دور إقليمي وعربي أكبر في مواجهة الدور الإيراني .
وفي إطار التوجه الفرنسي الأوروبي نحو دور فاعل في العراق ومنطقة الشرق الأوسط والخليج فإن العراق يبدو فرصة مناسبة لإثبات فاعلية وقوة الدور الفرنسي والأوروبي لبدء مسار أوروبي جديد يختلف عن المسار القديم الذي كان يسير جنبا الى جنب مع الدور الأمريكي أو تحت جناح القرار الأمريكي بشكل أو بأخر .
وتعتبر الفرص الاقتصادية الكبرى في العراق ودول المنطقة خاصة ما يتعلق بمشاريع الطاقة وإعادة الإعمار مهمة جدا بالنسبة للدول الأوروبية في الفترة القادمة إذا ما نجحت لعب دور فاعل في المنطقة .
كما أن صفقات التسليح الكبرى التي يمكن أن تعقدها فرنسا وبعض الدول الأوروبية في المنطقة حافز مهم للعب دور فرنسي أوروبي قوي وفاعل في العراق والإقليم .
ولكن يجب على فرنسا أن لا تنسى بأنها ستكون في مواجهة بريطانيا في العراق والتي لم تتحرك الى حد هذه اللحظة في إطار تحديد مسارات دورها الخارجي بعد البريكست وانسحابها من الاتحاد الأوروبي .
ولا يمكن توقع أي نجاح فاعل لمؤتمر اليوم في بغداد، ولكن بالخصوص يمكن توقع بدء الوضوح في تحديد مسارات التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة في دعم استقرار العراق والمنطقة في المستقبل القريب، ويعتبر ماحدث في أفغانستان بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة حافز مهم لفرنسا والدول الإقليمية لتكثيف جهودها في بناء جبهة موحدة في العراق لمواجهة الفوضى المتوقعة .
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية العراقية
مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية
Comments