
ملف الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية الأفريقية | تشاد
باريس 23 أبريل 2021 - تحت عنوان المشاركة في جنازة الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى العاصمة نجامينا مساء الخميس في خطوة فرنسية تعكس حجم الصداقة التي كانت مع حليفها الراحل الذي كان يقود واحدة من أهم الدول الأفريقية في الساحل الأفريقي .
ولكن خلف خطوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتبارية هناك الكثير من الملفات المعقدة التي بحثها وسيبحثها الرئيس الفرنسي، فقد التقى ابن الرئيس الراحل محمد ادريس ديبي فور وصوله وهو الرجل الذي يقود المجلس العسكري الذي تم تشكيله بعد مقتل ديبي ليتولى السلطة في البلاد .
وقبل بدء الجنازة صباح الجمعة التقى ماكرون ورؤساء مجموعة الساحل الأربع الأخرى محمد ديبي "لمشاورات حول العملية الانتقالية الجارية"، كما ذكرت الرئاسة الفرنسية لوكالة فرانس برس.
وأكدت الرئاسة الفرنسية الجمعة أن فرنسا ودول الساحل الخمس التي تكافح معا الجهاديين في هذه المنطقة من إفريقيا، أعربت عن "دعمها المشترك للعملية الانتقالية المدنية العسكرية" لنجل الرئيس.
أي أن فرنسا معنية بشكل مباشر في ترتيب الأوضاع الداخلية في تشاد وضمان عدم انفلات الأمور حتى لا تتأثر مصالحها في هذه المنطقة والأهم عدم تأثر العمليات العسكرية التي تقوم بها فرنسا بالمشاركة مع دول الساحل الخمس ضد الجماعات الجهادية المتطرفة التي يتنامى دورها في الساحل الأفريقي .
ويبدو أن الرئيس الفرنسي يريد ترتيب الأوضاع ليس فقط مع المجلس العسكري الذي يحكم تشاد في الوقت الحالي بل أيضا مع قادة دول الساحل الأفريقي الأربعة الأخرى التي تترك مع باريس ونجامينا في التحالف العسكري المباشر، وهذه خطوة تعتبر أيضا مباشرة في إطار ضمان الاستقرار في هذه المنطقة بعد تصاعد هجمات المتمردين التشاديين نحو العاصمة نجامينا والتعقيدات المتوقعة بعد رحيل ديبي .
ورأى الخبراء والمعارضة أن هذه الخطوة تعني أن فرنسا التي أنقذت نظام الرئيس الراحل عسكريا مرتين على الأقل بعدما هدده المتمردون في 2008 و2019، ستبقي على دعمها لخليفته على الأرجح.
وتضم نجامينا مقر قيادة القوة الفرنسية برخان لمكافحة الجهاديين في منطقة الساحل مما يعكس أهمية العاصمة التشادية بالنسبة لباريس عسكريا وسياسيا .
و قبل بدء الجنازة الوطنية زار ماكرون ونظراؤه النيجيري والبوركينابي والمالي والموريتاني الجنرال محمد إدريس ديبي وعبروا له عن "وحدة رؤيتهم" كما قال مصدر في الاليزيه لفرانس برس، موضحا ان مجموعة الساحل "تقف إلى جانب تشاد وتعرب عن دعمها المشترك لعملية الانتقال المدني العسكري من اجل استقرار المنطقة".
- تشاد والتحديات الداخلية والخارجية -
تبرز الكثير من التحديات الداخلية والخارجية في تشاد بعد رحيل الرئيس إدريس ديبي وهو الأمر الذي عبرت باريس عن قلقها تجاهه في أكثر من مناسبة، ويعكس التحرك الفرنسي الكبير على أعلى المستويات حجم هذه التحديات وخطورتها .
و أولى هذه التحديات هو ضمان وحدة الصف الداخلي بعد خطوة تشكيل مجلس عسكري يتولى السلطة، فبحكم الدستور كان يتعين أن يتولى رئيس البرلمان رئاسة البلاد مؤقتا، لكن بعد أن حل الجيش البرلمان قال رئيسه هارون كبادي في بيان إنه وافق "لتطور الأحداث العسكرية والأمنية والسياسية" على انتقال السلطة للجيش.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان إن موقف كبادي يبرر سيطرة الجيش على البلاد، وأضاف في حديث للقناة الثانية بالتلفزيون الفرنسي أمس الخميس: "هناك ظروف استثنائية. من حيث المنطق، كان يفترض أن يكون السيد كبادي... لكنه رفض لاعتبارات أمنية استثنائية كانت مطلوبة لضمان استقرار هذا البلد".
ولكن على الرغم من تفهم فرنسا لخطوة المجلس العسكري ودعمها له فقد تساءل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الخميس "هل سيضمن المجلس العسكري الانتقالي استقرار تشاد ووحدة وسلامة أراضيها؟". كما تساءل عن قدرته على "تطبيق عملية ديموقراطية" مع احترام التزاماته العسكرية في المنطقة.
وهو الموقف الذي يعطي مؤشر بأن فرنسا لن تدعم المجلس العسكري بشكل كامل وبدون حدود، وأنه ستسعى لضمان انتقال سياسي مدني يضمن الاعتبارات العسكرية المهمة لباريس في هذه المنطقة .
وتعكس تصريحات لودريان موقف جيد من باريس إذا ما عملت تجاهه بشكل جاد من أجل عدم انفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة .
وأبدى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الملاحظات نفسها. وقال خلال زيارة لموريتانيا الخميس قبل التوجه إلى جنازة إدريس ديبي "يجب أن نساعد تشاد. يجب أن نتجاهل الاعتبارات السياسية".
ـ النموذج السوداني وفرص كبرى في دعم ديمقراطيات متوازنة ـ
تبرز فرصة كبرى بالنسبة لفرنسا في حل الخلافات الداخلية بين القوى المتصارعة في تشاد ودعم انتقال سياسي سلس للسلطة مبني على النموذج السوداني الذي يضمن سيطرة للعسكريين والمدنيين في تقاسم للسلطة عبر مجلس سيادي عسكري وسياسي.
ولا يمكن إغفال دور الجيش القوي في تشاد الذي يمتلك مفاصيل كثير من الأمور في تشاد بالإضافة الى دور قوى المعارضة التي وصلت الى أبواب العاصمة بنجامينا في أكثر من مناسبة ولذلك يجب الموازنة بين جميع القوى في تشاد من أجل ضمان الاستقرار في هذه المنطقة المهمة في الساحل الأفريقي .
ولا توجد مشكلة أساسية من قبل فرنسا مع جزء من قوى المعارضة التي لا صلة لها بالإرهاب أو التي هدفها زعزعة الاستقرار، فالمصالح الفرنسية في تشاد لا يمكن المساس بها في هذا التوقيت ويمكن الوصول الى آلية مرضية لجميع الأطراف تضمن سيطرة جزئية للمجلس العسكري الذي تم تشكيله مع سلطة مدنية سياسية من قبل القوى السياسية المتصارعة في تشاد والتي يمكن أن تصل الى صيغة توافقية بدعم من الدور الأفريقي والفرنسي في رعاية أي مفاوضات قادمة .
ومع مراعاة الاختلافات في تعقيدات الصراع بين الحالة السودانية والحالة التشادية ولكن يمكن اعتبار بأن تعقيدات الوضع التي كانت قائمة في السودان ليست أكبر من التعقيدات في تشاد الأن وبالتالي يمكن الوصول الى صيغ توافقية مهما كانت الخلافات كبرى بين القوى السياسية والعسكرية في تشاد .
ولا يمكن لفرنسا أن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه أي انفلات يمكن أن يحدث في تشاد ويقود الى حرب أهلية مستعرة قد تضرب استقرار دول مهمة في الساحل الأفريقي وبالنظر الى ما حدث في مالي قبل أشهر والأن في تشاد فيجب إعادة ضبط البوصلة للسياسات الفرنسية حتى تكون أكثر مرونة وتماشيا مع التطورات في القارة الأفريقية .
وفي هذا الإطار يجب على باريس أن تتحرك بشكل مختلف هذه المرة عن السياسات الفرنسية التقليدية التي كانت متبعة في أفريقيا، فباريس لم تعد اللاعب الدولي الوحيد والمتحكم في مفاصل القارة الأفريقية .
وحدة الأزمات الدولية | ملف العلاقات الفرنسية الأفريقية | تشاد
مركز جنيف للدراسات السياسية والدبلوماسية
Comments